ومن هنا، كان لزامًا على القائمين على الاقتصاد العالمي، والمفكرين والمنظّرين الاقتصاديين.. إلخ، أن يبتكروا طريقة للتعاطي مع هذه الأزمات والهزات الاقتصادية، ومنذ ذلك الحين بدأ الحديث عن مفهوم “حوكمة الشركات”
حوكمة الشركات.. هل من تعريف؟
وبعيدًا عن التحقيب التاريخي لهذا المفهوم، والظروف الاقتصادية والاجتماعية التي كانت دافعًا لظهوره، فإن ما يعنينا هنا هو محاولة اجتراح تعريف مختصر لهذا المصطلح المربك إلى حد كبير
وعلى كل حال، فإنه بالإمكان القول إن ما نعنيه بحوكمة الشركات هي تلك المجموعة من القواعد والحوافز التي تهتدي بها إدارة الشركة لتعظيم أرباحها على المدى البعيد لصالح المساهمين
ويعرفه آخرون بأنه مجموعة من الطرق، والتي يمكن من خلالها أن يتأكد المستثمرون من تحقيق ربحية معقولة لاستثماراتهم
والذي يظهر من هذين التعريفين السابقين أنهما على النقيض تمامًا من مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات؛ فالهدف الأساسي لحكومة المؤسسات، كما يُستنتج من التعريفين السابقين، هو تعظيم الأرباح حتى وإن تم ذلك بطريقة معقولة
وهو، بالمناسبة، الهدف المعلن والصريح للذين يعارضون المسؤولية الاجتماعية كمبدأ ونظرية من الأساس، وعلى رأسهم أنصار نظرية السوق الحر، والانفتاح الاقتصادي اللا مشروط. ولسنا بحاجة، طبعًا، إلى الإشارة لمرافعات عالم الاقتصاد الشهير ميلتون فريدمان؛ عن هذه المبادئ، ولا عن انحيازه الحاسم والجذري لحرية رأس المال، والسوق، واختصار أهداف الاقتصاد مجتمعة في تعظيم الربح ومراكمة الثروات
وعليه، فإذا كنا نحاول إيجاد رابطة أو صلة بين هذين المبدأين “المسؤولية الاجتماعية للشركات”، و”حوكمة المؤسسات”، فإننا، وبناءً على ما فات من تحديدات، نكون في مأزق نظري حقيقي
لكن علينا الإشارة، كمحاولة لتخطي هذا المأزق النظري، إلى أن هناك الكثير من زوايا النظر الخاصة بمفهوم “حوكمة الشركات” ذاته
وهناك من ينظر إلى هذا المصطلح على أنه نظام رقابة على هذه الشركات، فيما يعتبره آخرون مدونة أخلاقية تحدد الطريقة المثلى لأداء كل مهمة من المهام الوظيفية داخل هذه المؤسسة أو تلك
فلكي تظل الشركة باقية، وتحقق النجاح، وتُعظّم الربح _وهذه كلها متطلبات حوكمة المؤسسات_ عليها أن تأخذ بمقتضيات ومتطلبات المسؤولية الاجتماعية
على ذلك، يمكن القول إن الحوكمة هي أحد الأبواب الخلفية للمسؤولية الاجتماعية للشركات، ويتم الأخذ بمبادئ هذه الأخيرة من منطلق نفعي برجماتي بحت؛ فليس الهدف هنا هو خدمة المجتمع، ولا الدفع بسبل تنميته قُدمًا، وإنما يتم الأخذ بهذه المبادئ لصالح الشركة فحسب
الخلاصة:
إن ما نبغي قوله في هذا الصدد هو أن حوكمة المؤسسات والمسؤولية الاجتماعية يسيران في خطين متوازيين، لكنها لا يلتقيان إلا في تلك النقطة التي تتحقق من خلالها مصلحة الشركة والمساهمين فيها
وهو الأمر الذي يعود بالنفع على المجتمع الذي تعمل فيه، حتى وإن تم ذلك بطريقة غير مباشرة، وغير مقصودة من الأساس، لكن فرض نظام رقابة على الشركة، والتحكم في مستويات أدائها، قد يكون له أثر جيد، وهو الأمر الذي حملنا على القول بأن حوكمة المؤسسات هي الباب الخلفي للمسؤولية الاجتماعية