بين فترة وأخرى نسمع عن “تصفية شركة ما “، و “إفلاس شركة ما”، مع تساؤلات عن الفرق بين المصطلحين.وفي هذه الزاوية القانونية عبر “أثير” سنسلّط الضوء على الفرق بين التصفية والإفلاس التجاري؛ بسبب التشابه والتداخل الحاصل بين هذين الإجراءين القانونيين؛ حيث يتشابهان في بعض مراحلهما أو إجراءتهما، وذلك حسب قانون الشركات العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (18/2019)، وقانون الإفلاس الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (53/2019) .
وفي البداية نوضح بأن تكوّن الشركات التجارية يكون وفق تعريف المادة (3) من قانون الشركات التجارية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (18/2019): “الشركات التجارية كيان قانوني ينشأ بموجب عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يسهم كل منهم في مشروع يستهدف الربح، وذلك بتقديم حصة في رأس المال تكون إما حقوقا مادية، وأما معنوية، وإما خدمات أو عملا، لاقتسام أي ربح أو خسارة تنتج عن المشروع. واستثناء من أحكام الفقرة السابقة، يجوز أن تتكون الشركة من شخص واحد وفقا لأحكام هذا القانون”.
ويتضح من نص المادة السابقة أن بداية تكوين الشركة تكون بنشأة كيان قانوني يربط أطرافه عقد يسمى عقد الشراكة أو الشركة، ويحدد فيه مقدار مساهمة كل فرد، وبعد ذلك تباشر الشركة ممارسة نشاطها بعد استيفاء اشتراطاته القانونية، وتنتهي الشركة بعدة أسباب إما بطرق اختيارية كحل الشركة الاختياري وانتهاء الغرض الذي أُنشئت لأجله، أو قضائية كصدور حكم قضائي ملزم بحلها، أو إجبارية كإفلاسها.
أولا : مفهوم كل من التصفية والإفلاس التجاري
تُعرف التصفية بأنها مجموعة من الإجراءات والأعمال التي يكون هدفها إنهاء كافة أعمال الشركة المنحلة ، وإنهاء كافة الآثار التي خلفتها الشركة محل التصفية، وتسوية كل من حقوقها وديونها بغية تحديد الصافي من أموالها ، ثم قسمة الصافي على الشركاء كلٌ حسب حصته، أو بمعنى آخر هي الوسيلة القانونية لإنهاء عقد الشركة وحلها وهي تكون على صورتين إما اختيارية أو إجبارية بحكم قضائي.
أما الإفلاس فيُعرف بأنه توقّف التاجر المدين عن سداد ديونه مع إعلانه بعدم القدرة على سداد الديون المترتبة عليه، وذلك وفق ما عرفته المادة (69) من قانون الإفلاس الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (53/2019) التي نصت بـ: “كل تاجر توقف عن سداد ديونه التجارية إثر اضطراب أعماله التجارية يجوز طلب إشهار إفلاسه، ويعتبر التوقف عن سداد الدين دليلا على اضطراب الأعمال ما لم يثبت خلاف ذلك، ولا تنشأ حالة الإفلاس إلا بحكم يصدر بإشهار الإفلاس وبدون هذا الحكم لا يترتب على التوقف عن سداد الديون أي أثر ما لم ينص القانون على ذلك.
ثانيًا : متى تتحقق التصفية ومتى يتحقق الإفلاس التجاري؟
نصّت المادة 41 من قانون الشركات العماني على :” تعتبر الشركة منحلة بحكم القانون من تاريخ اتفاق الشركاء أو صدور قرار الجمعية العامة غير العادية أو صدور حكم قضائي نهائي – حسب الأحوال – وفق الأسباب المنصوص عليها في المادة (٤٠) من هذا القانون. وتدخل الشركة بمجرد حلها في طور التصفية، وتحتفظ بالشخصية الاعتبارية بالقدر اللازم لأعمال التصفية، وتضاف إلى اسمها خلال مدة التصفية عبارة “قيد التصفية”
وعلى ذلك فإن التصفية تبدأ بمجرد حل الشركة حسب الأسباب التي بينتها المادة (40) من هذا القانون ، نذكر بعضًا منها، كحلول الأجل المحدد للشركة ، أو انتهاء الغرض الذي أنشئت من أجله ، أو باتفاق الشركاء ، وبينت المادة 41 متى تعتبر الشركة منحلة ، سواء بحكم القانون من تاريخ اتفاق الشركاء، أو أن يصدر قرار من الجمعية العامة غير العادية ، أو بصدور حكم قضائي نهائي ، وبحل الشركة يعني أن أعمال وإجراءات التصفية قد بدأت، والجدير بالبيان أنه وفق هذا النص لا يمكن حل الشركة بصورة اختيارية باتفاق الشركاء إلا بالدعوة لانعقاد الجمعية العمومية غير العادية، والسؤال هنا لماذا ربطها المشرع بذلك؟ وجواب ذلك يتضح جليًا من جسامة النتيجة أو القرار الذي يرغب الشركاء في اتخاذه ألا وهو حل الكيان القانوني الذي تلاقت إراداتهم على إنشائه، والدعوة لاجتماع الجمعية المعموية غير العادية توفر ضمانات أكثر للأطراف المشاركين في الشركة، فضلا عن كون الأغلبية المتطلبة في مثل هذا الاجتماع تكون للأغلبية المطلقة، وليس لمجرد الأغلبية فقط، فهذا الإجراء ينطوي على صون لحقوق المشاركين في عقد الشركة والحفاظ على استمرارية هذا الكيان القانوني أطول فترة ممكنة.
وقد أشارت المادة (43) من ذات القانون إلى وجوب تحديد مصفٍ أو أكثر مع تحديد أتعابه، يقوم بأعمال التصفية، سواء في اتفاق الشركاء، أو في قرار الجمعية العامة غير العادية إذا كانت التصفية اختيارًا، أو في الحكم إذا كانت جبرًا، ثم يتولى المصفي كافة أعمال التصفية.
ونذكر أيضا أن الإفلاس سبب لحل الشركة ، وإدخالها في التصفية ، فقد بينت الفقرة السادسة من المادة 40 ذلك ونصت بـ :” إفلاس الشركة أو خسارة كامل رأس مالها أو معظمه إذا حالت هذه الخسارة دون استعمال ما تبقى من رأس المال استعمالا مجديا” ومن هنا يبدأ التداخل بين التصفية والإفلاس، فكلاهما طريق لحل الشركات التجارية.
أما بالنسبة للإفلاس، فيتحقق وفقا لقانون الإفلاس الصادر بالمرسوم رقم (53/ 2019) بتحقق شروطه الواضحة في المادة (69) وهي كالتالي:
1- أن يكون هناك تاجر.
2- يجب أن يتوقف التاجر عن سداد ديونه.
3- أن يكون التوقف عن السداد بسبب وجود اضطراب في أعمال التاجر التجارية.
4- صدور حكم بإشهار الإفلاس.
فالإفلاس يقوم على توقف التاجر عن دفع ديونه، وذلك لظروف قد تكون اقتصادية ، كوقوع التاجر أو الشركة في ضائقة مادية لا يمكن الخروج منها، وهذا هو المقصود باضطراب أعمال التاجر التجارية، وأن يصل بها الحال إلى تكتل الديون عليا دون وجود أية إيرادات قد تسعفها وتمكنها من سداد الديون، ثم أن يقوم هذا المُفلس بدوره بإعلان عدم قدرته على الدفع، ويكون ذلك بإشهار إفلاسه، والجدير بالبيان في هذه الحالة أن القانون رتب قرينة على توقف التاجر عن سداد ديونه لصالح التاجر الذي يرغب في إشهار إفلاسه، وذلك بأن يكون التوقف عن السداد دليلًا على اضطراب أعماله التجارية، ولكن هذا الدليل ليس قاطعًا فهو يقبل إثبات عكسه بكافة طرق الإثبات، فيمكن لدائن التاجر أن يثبت أمام القضاء أنه لا يوجد اضطراب حقيقي في أعمال التاجر ليطلب شهر إفلاسه، وإذا ما ثبت ذلك فيمتنع إشهار إفلاسه، وأهم جزء يتعلق بالإفلاس أن التاجر لا يُعدّ مفلسًا إلا بصدور حكم قضائي بذلك، وبخلافه فإنه يبقى على حالته كتاجر على رأس عمله التجاري.
ثالثًا : آثار كل من التصفية، والإفلاس
يترتب على التصفية إنهاء كافة الآثار التي رتبتها الشركة المنحلة، كما يترتب تسوية حقوقها من جانب وديونها من جانب آخر ، ومن ثَمّ فإن التصفية تمتد لتشمل كافة موجودات الشركة ويتم الإعمال بالتصفية على ضوء القرار الصادر من الجمعية غير العادية ، بتحديد مصفٍ ليُباشر كافة إجراءات التصفية التي نص عليها القرار، أو بالخطوات التي يشير إليها الحكم في حال كانت التصفية بحكم قضائي، وإذا لم يكن القرار والحكم يشيرن إلى ذلك كانت إجراءات التصفية بناءً على المادة (46) من قانون الشركات التي وضعت إجراءات تصفية الشركة، بدءًا من قيام المصفي بإخطار الشركاء على عناوينهم المسجلة لدى الشركة بافتتاح التصفية، ونهاية إلى توزيع المال الصافي، وموجودات الشركة على الشركاء كلٌ حسب قدر حصته ومساهمته في الشركة.
أما الإفلاس، فإن أبرز أثر له هو التصفية وهذه نقطة تداخل في الإجراءات بين التصفية والإفلاس وفق السالف بيانه؛ فبعد إشهار الشركة إفلاسها، تعد الشركة قد انحلت وذلك وفق المادة (40) من قانون الشركات، ليترتب عليه دخولها في مرحلة التصفية، وللتفريق بين التصفية والإفلاس وكي لا تتداخل المصطلحات للناس، أفرد المشرع العماني مسمى خاصًا لإجراءات حل الشركة بناءً على حكم إشهار الإفلاس وهو “التفليسة: جميع أموال المدين المفلس الذي غلت يده عنها بموجب حكم إشهار الإفلاس”، والتاجر يُسمى “المدين المفلس: التاجر الذي صدر حكم قضائي بإشهار إفلاسه”، والذي يقوم بإجراءات التصفية في حالة التصفية يسمى المصفي، ولكن في حالة الإفلاس يُسمّى “مدير التفليسة: الممثل القانوني للتفليسة الذي تعينه المحكمة لإدارة أعمال التفليسة” والتي عرفتها المادة (1) من قانون الإفلاس، ولذا فإن التصفية في حال العجز توزع الخسائر على الشركاء كلٌ حسب حصته، وهذا ما أكدته نهاية الفقرة الثالثة من المادة (46) من قانون الشركات بنصها على: “وإذا لم يكن صافي الموجودات كافيا لتغطية القيمة الكاملة للحصص أو الأسهم – كما هي محددة في وثائق التأسيس – وجب توزيع العجز بين الشركاء أو المساهمين بذات نسبة تحمل الخسائر”.
ختامًا فإن التصفية تنتهي بقيام المصفي بكافة أعمال التصفية، وتقديمه تقريرا نهائيا، وحسابا ختاميا مدققا من مراقب حسابات الشركة عن أعمال التصفية إلى الشركاء أو المساهمين والدائنين وذلك خلال (30) ثلاثين يوما من انتهاء هذه الأعمال للموافقة عليها، وذلك حسب نص المادة (56) من قانون الشركات، أما الإفلاس فقد تدخل المشرع العُماني لحماية دائني المفلس ووضع نظامًا خاصًا له ، وذلك بصدور المرسوم السلطاني رقم 53 / 2019م بإصدار قانون الإفلاس، الذي ينظم كافة الإجراءات المتعلقة بالإفلاس والتي تحمي دائني المفلس، وعلى رأسها أن إشهار الإفلاس لا يكون إلا بحكم قضائي، فضلًا عن أنه لا يكون إلا بدعوة كافة دائني التاجر المفلس أمام القضاء، وإتاحة الفرصة لهم لإثبات عدم اضطراب أعمال التاجر التجارية، وغيرها من الإجراءات التي يطول شرحها وبيانها وتحتاج إلى زوايا مستقلة لا يتسع المقام لها.