مقالات .. إعفاء توريدات العقار من ضريبة القيمة المضافة .. نقاط

كاتب المقالة: د. صالح السلطان

 

 

يعلم الإخوة القراء بصدور أمر ملكي كريم قبل أيام بإعفاء صفقات البيع العقارية من ضريبة القيمة المضافة 15 في المائة. وصدر الأمر بفرض ضريبة التصرفات العقارية 5 في المائة.

لن أدخل في التفاصيل النظامية. بل المقال اقتصادي أحاول فيه الإجابة - باختصار - عما يلي: لماذا العقار؟ وما تأثيرات تطبيق الأمر بجانبيه إعفاء من ضريبة وفرض ضريبة أخرى؟

زيادة تملك السكن وتسهيل الحصول عليه ولو دون تملك، هدف تدعمه الدول. وتعميما، هناك سلع وخدمات توفرها الدول إما مجانا أو بأسعار مدعومة دعما. الصحة والتعليم العام والسكن على رأس القائمة. ولذا فإن فرض ضريبة قيمة مضافة عليها غير منسجم مع سياسة المجانية والدعم. وهذا ما حصل لقطاعات مثل التأجير السكني والرعاية الصحية، فهي مستثناة في بلادنا من فرض ضريبة القيمة المضافة من البداية.

الدولة تدعم تملك السكن وما يؤدي إلى التملك أو يسهله ويخفض أعباءه وتكاليفه بطرق شتى، وبذلت جهودا في دراستها وإقرارها. من الأمثلة تقديم قروض ميسرة، أو تحمل فوائدها تحت تفاصيل واعتبارات. ومن المهم أن يفهم أن بعض الطرق رغم فوائدها، لكن لها آثارا جانبية غير مرغوب فيها. وهذه طبيعة الاقتصاد وعوامله. لا توجد سياسة اقتصادية خالية من تأثيرات جانبية غير مرغوب فيها.

وهنا أشير إلى نقطة جوهرية. قد تكون للبعض مرئيات، لكن يجب فهم وقبول أنه لا يمكن تحقيق كل ما يشتهي المرء. وما يراه الأنسب قد لا يراه كذلك آخر. وقد تكون أمام ما تراه أولى بالتطبيق عوائق أو له تبعات لا تدركها أنت جيدا.

من ضمن الدعم غير المباشر لتيسير السكن: تمكين المطورين العقاريين المرخصين من استرداد ضريبة القيمة المضافة المتكبدة على مدخلاتهم الخاضعة لضريبة القيمة المضافة، وفق ضوابط واشتراطات.

باختصار، دعم السكن وما يساعد على توفير السكن بتكلفة أقل، هدف للدولة. ومن ثم فإن فرض ضريبة القيمة المضافة هنا لا ينسجم مع هذا الهدف، لأنه يزيد التكاليف فالأسعار. وهذا عنصر أساسي في صدور الأمر الملكي الكريم بالإعفاء.

ننتقل إلى نقطة أخرى. ما التأثيرات؟

الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة يقلل التكلفة. وتبعا، ينخفض السعر المدفوع من المشتري لأنه سعر ليست فيه ضريبة، مقارنة بالسعر النهائي المدفوع قبل الإعفاء من الضريبة. وانخفاض الأسعار النهائية يزيد في العادة من نشاط الشراء والبيع. وتبعا تزيد الأرباح وعمليات التشغيل بما فيها التوظيف.

السؤال التالي: ما مقارنة هذا السعر النهائي المدفوع بعد الإعفاء؟ أي الذي ليست فيه ضريبة، بالسعر قبل إضافة الضريبة عندما لم تكن معفاة، قد يبقى وقد ينقص وقد يزيد. وفي حالات كثيرة سيزيد قليلا، لأن كثيرين خفضوا سابقا من أسعارهم قليلا قبل إضافة الضريبة عندما كانت مفروضة.

وبصفة عامة، لا يشترط انخفاض الأسعار النهائية بما يساوي انخفاض التكلفة. الأمر مرتبط بعوامل وظروف كثيرة. والأغلب أنها - أي الأسعار - لا تنخفض بما يساوي انخفاض التكلفة. والعكس صحيح. لو زادت التكلفة، فإن الأسعار لا تزيد بالضرورة بما يساوي زيادة التكلفة، لأن هناك اعتبارات أخرى مؤثرة.

طالما أن الإعفاء من الضريبة يعني انخفاض التكلفة والأسعار. وتبعا تزيد القدرة الشرائية للناس. فلنا أن نسأل عن حدود انخفاض الأسعار، في زيادة القدرة الشرائية بعد الأمر الملكي؟

أثر ونفع الإعفاء من الضريبة، بحسب الأمر الملكي، يزيد مع انخفاض دخل الفرد أو الأسرة. وقوة الزيادة تعتمد على أوضاع كثيرة. وتأثير الإعفاء في قرار الشراء يرتبط بعوامل وآليات كثيرة، أهمها مرونة الطلب، أي مدى تأثر الطلب من المشتري بتغير الأسعار.

من جهة أخرى، معروف أن القوة الشرائية تزيد مع انخفاض الأسعار. وتبعا لا بد أن تزيد الكمية التي يمكن للمستهلك شراؤها. ويرتبط القرار بعوامل مثل أوصاف وأسعار البدائل.

أما من جهة المنتجين أو البائعين، فالسؤال كيف يستثمرون الإعفاء من الضريبة؟ الجواب يعتمد على عوامل عديدة منها مدى استفادتهم من الإعفاء ومدى التنافسية، وظروف كل بائع أو منتج، وطبيعة الطلب على موقع أو سكن بعينه، وتوافر بدائل له، وأسعار البدائل. وإعطاء رقم تقريبي لسلعة ما ممكن بعد مرور فترة من دراسة بيانات المبيعات ونحو ذلك.

تعارض المصالح بين الطرفين يتبعه تفاعل في السوق بين البائعين والمشترين ينتهي في العادة مع الوقت إلى أسعار توازن جديدة يقبل بها الطرفان: البائعون والمشترون. وأساس هذا التوازن أن يقلل كل طرف، البائع والمشتري، من تطلعاته. وإذا لم يحصل التوازن يحجم إما البائع أو المشتري أو كلاهما عن إتمام العملية. ومع الوقت تضغط الظروف بمختلف أشكالها وألوانها على الأسواق لمحاولة دفعها إلى نقاط توازن جديدة.

خفض التكلفة بالدعم أو الإعفاء من رسوم أو ضرائب يساء تطبيقه في حالات وظروف. وهذه طبيعة القرارات والسياسات الاقتصادية، كما أوضحت ذلك سابقا. مثلا، الوقوع في الإسراف في استهلاك سلع وخدمات، أو كثرة المضاربات والمبالغة فيها من بعض الناس في سلع معمرة كالعقار. ومن ثم كان التقليل قدر الإمكان من ممارسة تلك السلوكيات غير المرغوب فيها، مطلب. وحدت منها سابقا ضريبة القيمة المضافة. ورأت الدولة استبدالها بما هو أنسب: ضريبة التصرفات العقارية.

قراءة 1047 مرات آخر تعديل في الأحد, 12 يونيو 2022 09:15
سجل الدخول لتتمكن من التعليق

 

في المحاسبين العرب، نتجاوز الأرقام لتقديم آخر الأخبار والتحليلات والمواد العلمية وفرص العمل للمحاسبين في الوطن العربي، وتعزيز مجتمع مستنير ومشارك في قطاع المحاسبة والمراجعة والضرائب.

النشرة البريدية

إشترك في قوائمنا البريدية ليصلك كل جديد و لتكون على إطلاع بكل جديد في عالم المحاسبة

X

محظور

جميع النصوص و الصور محمية بحقوق الملكية الفكرية و لا نسمح بالنسخ الغير مرخص

We use cookies to improve our website. By continuing to use this website, you are giving consent to cookies being used. More details…