انشغل كثير من المواطنين ووسائل الاعلام جميعها تقريبا خلال الأيام القليلة الماضية بالمخالفات العديدة التي أوردها ديوان المحاسبة في تقريره للعام 2018 والذي تضمن 3531 مخالفة للقوانين والتشريعات والانظمة تسببت بهدر ملايين الدنانير كانت خزينة الدولة بحاجة لها في ظل الصعوبات المالية والاقتصادية التي تواجهها والتي تتسبب بمشاكل اجتماعية ومعيشية لغالبية المواطنين من ذوي الدخل المحدود والمتوسط والفقراء.
الجميع من صحف يومية ومواقع اخبارية الكترونية واشخاص على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ينشر أمثلة عن المخالفات التي أوردها الديوان، للدلالة على الحجم الكبير للتجاوزات التي وقعت في الدوائر الحكومية المختلفة خلال العام الماضي.
وهذا أمر طبيعي، فحجم المخالفات والمبالغ المهدورة كبيران، وهناك أمثلة كثيرة على تسيب مالي وفساد وضرب للتعليمات والتشريعات بعرض الحائط من قبل مسؤولين وجهات حكومية وشركات ومؤسسات تابعة لها.
ولكن رافق نشر أمثلة عن المخالفات الكثير من الأسئلة المنطقية من شاكلة ماذا فعلت الحكومة لمعالجة المخالفات التي أوردها تقرير الديوان للعام 2017؟ وماذا فعلت أيضا الحكومة بتوصيات النواب على هذا الصعيد؟ وماذا فعل مجلس النواب لمتابعة توصياته؟ ولماذا تستمر هذه المخالفات وبحجم كبير في الأجهزة الحكومية المختلفة بالرغم من رقابة ديوان المحاسبة؟، والجهات الرقابية الأخرى؟ لماذا يواصل البعض في الأجهزة الحكومية هدر الأموال العامة والفساد دون خوف ولا جزع من سياسة واجراءات الحكومة لمواجهة والحد من الفساد والهدر والمخالفات التي تكلف الدولة سنويا ملايين الدنانير؟
لا تتوقف الأسئلة، التي لاتسعى إلى التقليل من الجهود لمكافحة الفساد والهدر، فديوان المحاسبة، وهو جهة رسمية يسعى إلى ذلك ويبذل جهودا كبيرة على هذا الصعيد، ولكن الهدف من الأسئلة الحقة ايصال رسالة إلى الحكومة أولا، بأن ما تقوله وتصرح به حول جهودها واجراءاتها لمجابهة ومكافحة الفساد المالي، لا يتناسب طرديا مع الجهود الفعلية على الأرض لتحقيق هذا الهدف والمتمثل بمكافحة الفساد والهدر المالي في الأجهزة الحكومية.
وتسعى هذه الأسئلة التي توجهها شخصيات وهيئات شعبية ونقابية ومواطنون، إلى تسليط الضوء على دور مجلس النواب على صعيد محاربة الفساد والهدر المالي، حيث تؤشر الأسئلة إلى أن استمرار المخالفات في الأجهزة الحكومية من ناحية العدد والمبالغ المهدورة يعكس الدور الرقابي الضعيف لمجلس النواب الحالي، بالرغم من كل “البهورة” والحديث حول الجهود النيابية لمكافحة الفساد والهدر المالي.
نعم، ديوان المحاسبة يقوم بدوره في كشف المخالفات، ولكن علينا أن نقف كثيرا أمام دور الحكومة بالدرجة الأولى، ومجلس النواب في معالجة ومكافحة هذه المخالفات والحد منها على الأقل، ومحاسبة من يقف خلفها ويقوم بها من اشخاص وجهات.
بالخلاصة الحديث عن محاربة الفساد والهدر المالي، لا يعكس جهودا حقيقية على هذا الصعيد، وقد يكون هدفه فقط الترويج والدعاية الإعلامية بعيدا عن الواقع الفعلي.
قراءة 1259 مرات
آخر تعديل في الثلاثاء, 14 يونيو 2022 08:28
في المحاسبين العرب، نتجاوز الأرقام لتقديم آخر الأخبار والتحليلات والمواد العلمية وفرص العمل للمحاسبين في الوطن العربي، وتعزيز مجتمع مستنير ومشارك في قطاع المحاسبة والمراجعة والضرائب.