في فبراير من كل عام تتجه أنظار الملايين من عشاق السينما حول العالم إلى هوليوود، حيث تجري وقائع الحفل الأكثر شهرة في التاريخ، وهو حفل توزيع جوائز الأوسكار الذي تقدمه أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة.
في فبراير من كل عام تتجه أنظار الملايين من عشاق السينما حول العالم إلى هوليوود، حيث تجري وقائع الحفل الأكثر شهرة في التاريخ، وهو حفل توزيع جوائز الأوسكار الذي تقدمه أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة.
الأفلام التي يقع عليها الاختيار من قبل لجنة التحكيم الخاصة بالأكاديمية تدخل التاريخ وتخلد إلى الأبد في ذاكرة السينما العالمية، وهو ما يمنح القائمين على إنتاج هذه الأفلام مهابةً وامتيازًا من نوع خاص.
ربما لو كانت هناك جائزة مثل الأوسكار في سوق الأسهم لأبرع الشركات في الاحتيال على المساهمين وخداعهم لتنافس عليها كثيرون، مما يجعل عملية الاختيار بينهم صعبة. فعلى سبيل المثال لو أن هناك جائزة للشركة الأكثر حماقة في التلاعب بالبيانات المالية وخلق أرباح وهمية لكانت شركة مثل "وورلد كوم" الأمريكية ضمن أوائل المرشحين للحصول عليها.
الفضيحة الكبرى
في الفترة ما بين عامي 1999 و2002 تورطت شركة الاتصالات الأمريكية "وورلد كوم" في واحدة من أكبر عمليات الاحتيال المحاسبي في التاريخ. والطريف أن عملية الاحتيال هذه بقدر ما كانت ضخمة وهائلة بقدر ما كانت ساذجة وسهلة الاكتشاف. ورغم ذلك لم ينجح المساهمون في اكتشاف الأمر إلا بعد فوات الأوان.
في الخامس والعشرين من يونيو 2002 أعلنت "وورلد كوم" أنها تعتزم تعديل بياناتها المالية الخاصة بعام 2001 بالإضافة إلى تلك الخاصة بالربع الأول من عام 2002، مشيرة إلى أنها اكتشفت تسجيل معاملات مجموعها 3.852 مليار دولار على نحو مخالف للمبادئ المحاسبية المقبولة بصفة عامة (GAAP).
وبعد أقل من شهر واحد من ذلك الإعلان تفاجأ العالم بتقدم "وورلد كوم" والشركات التابعة لها في الولايات المتحدة بطلب إلى محكمة الإفلاس لحمايتها من الدائنين بموجب الفصل الحادي عشر من قانون الإفلاس الأمريكي. وخسر آلاف الموظفين وظائفهم في حين خسر المساهمون جزءاً كبيراً من أموالهم. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف وصلت "وورلد كوم" إلى ذلك الوضع؟
في أواخر عام 1999 وأوائل عام 2000 وعلى خلفية تراجع سعر سهمها والضغوط الشديدة من المستثمرين في وول ستريت على الشركة لكي تحقق أرقاماً أفضل، شرعت إدارة "وورلد كوم" في تنفيذ مخطط احتيالي قامت خلاله بنقل تكاليف التشغيل العادية من بيان الدخل إلى الميزانية العمومية.
أحد أهم العناصر المكونة لنفقات التشغيل بـ"وورلد كوم" كانت تسمى "تكاليف الخطوط" وهي الرسوم التي تدفعها الشركة لأصحاب شبكات الاتصالات مقابل استئجار شبكاتهم. والصحيح محاسبياً هو أن يتم تسجيل تلك الرسوم في البيانات المالية الخاصة بالشركة كنفقات تشغيل، غير أن ما قامت به إدارة "وورلد كوم" هو رسملتها، أي معاملتها كأصل.
خطورة رسملة تكاليف التشغيل
من خلال إدراجها كأصول وليس كمصروفات تمكنت "وورلد كوم" من خفض تكاليفها المباشرة المبلغ عنها في قائمة الدخل بمئات الملايين من الدولارات، وهكذا قللت نفقاتها وفي نفس الوقت ضخمت أرباحها ليظهر صافي الدخل بشكل أفضل مما هو عليه في الواقع.
والخطير هو أن هذه الحركة لا تزيد الأرباح بشكل مصطنع فقط بل تضخم كذلك من التدفقات النقدية التشغيلية، حيث إن تصنيف تكاليف الخطوط كأصل رأسمالي مكّن الشركة من خصمها من التدفقات النقدية الاستثمارية وليس من التدفقات النقدية التشغيلية كما هو مفترض.
ساهم التصنيف غير الصحيح للتكاليف كأصول إلى جانب التضخيم الذي شهده بند التدفقات النقدية التشغيلية في المبالغة في قيمة ذلك البند بنحو 8.588 مليار دولار (الفرق بين 15.660 مليار دولار و7.072 مليار دولار) على مدار عامي 2000 و2001 كما يوضح الجدول التالي:
التدفقات النقدية التشغيلية المبلغ عنها من "وورلد كوم" بالمقارنة مع التدفقات النقدية التشغيلية المعدلة (الأرقام بالمليون دولار)
البند
العام المالي 2000
العام المالي 2001
الإجمالي
التدفقات النقدية التشغيلية المبلغ عنها
7666
7994
15660
التكاليف التي تم رسملتها بطريقة غير صحيحة
(1827)
(2933)
(4760)
التضخيم الذي شهده بند التدفقات التشغيلية
(1612)
(2216)
(3828)
التدفقات النقدية التشغيلية المعدلة
4227
2845
7072
هذا التكتيك البسيط ساعد الشركة في تصوير نفسها للسوق على أنها شركة رابحة، رغم أنها كانت تسبح فوق بحر من المشاكل والأزمات. خدعت الشركة المستثمرين، واستمرت هذه الخدعة ربعاً تلو الآخر، وتحديداً من منتصف عام 2000 وحتى أوائل عام 2002 حين تم كشفها بواسطة مدققين داخليين في "وورلد كوم".
في أوائل عام 2002 كان فريق صغير من المراجعين الداخليين في "وورلد كوم" يحقق سراً في أنشطة اعتقد أنها مشبوهة. وبالفعل سرعان ما اكتشف الفريق مخالفات محاسبية بقيمة 3.8 مليار دولار، ليقوم على الفور بإبلاغ مجلس الإدارة لتتسارع الأحداث بعدها. تم طرد المدير المالي، بينما استقال المراقب المالي، في حين فتحت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية تحقيقاً موسعاً.
الجدول التالي يوضح كيف قامت "وورلد كوم" بإخفاء مشكلاتها عن المستثمرين، حيث إن التدفقات النقدية التشغيلية (CFFO) تجاوزت بانتظام صافي الدخل.
التدفقات النقدية التشغيلية لـ"وورلد كوم" بالمقارنة مع صافي دخلها وفقاً للبيانات الصادرة عن الشركة
في المحاسبين العرب، نتجاوز الأرقام لتقديم آخر الأخبار والتحليلات والمواد العلمية وفرص العمل للمحاسبين في الوطن العربي، وتعزيز مجتمع مستنير ومشارك في قطاع المحاسبة والمراجعة والضرائب.