مع توقع عديد من المختصين ركودا في الاقتصاد الأمريكي خلال العامين المقبلين، فإن العالم لا يزال يبحث في مدى إمكانية إصابة الاقتصاد الدولي بالركود خلال الفترة المقبلة.
وعلى الرغم من أن أغلب الاقتصاديين لا يستبعدون حدوث الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة أو الصين، إلا أنهم يستبعدون أن يؤدي ذلك فعليا إلى أزمة اقتصادية طاحنة على غرار عام 2008.
ومع انقلاب منحنى فائدة سندات الخزانة الأمريكية للمرة الأولى منذ 2007، شعر المستثمرون بالقلق من أن الاقتصاد الأمريكي، الأكبر في العالم، ربما يتجه صوب الركود.
حصل هذا الانقلاب في منحنى عائد سندات الخزانة الأمريكية لآخر مرة في كانون الأول (ديسمبر) 2007، أي قبل وقوع الانهيار الاقتصادي عام 2008 بـ12 شهرا.
كما أن جميع فترات الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة خلال الأعوام الـ45 الماضية سبقها حصول انقلاب في منحنى الفائدة.
وتشير المعطيات التاريخية إلى أن الركود يبدأ في المتوسط بعد 22 إلى 18 شهرا من انقلاب منحنى الفائدة، لكن مع ذلك تشير أرقام بنك "أوف أمريكا ميريل لينش" إلى أن العالم يملك وقتا أقل من ذلك لمواجهة الركود الاقتصادي المقبل.
وهنا يتبادر سؤال، أين سيكون وضع الاقتصاد الخليجي في أي أزمة مقبلة؟ محللون أكدوا أن الاقتصاد الخليجي معرض لعدوى الركود، بينما آخرون أشاروا إلى أن الإصلاحات الاقتصادية التي تنتهجها دول خليجية ربما تخرجها من دائرة التباطؤ العالمي.
وقالوا لـ"الاقتصادية"، "إن دول الخليج وعلى رأسها السعودية، أجرت إصلاحات جريئة على اقتصادها تحسبا لحدوث أزمات اقتصادية عالمية يمكن أن تؤثر في حجم إيراداتها المالية العائدة من النفط في حال انخفضت أسعاره في الأسواق العالمية".
وأوضح عدنان يوسف، رئيس اتحاد المصارف في البحرين، أن دول الخليج اتجهت منذ أعوام، خاصة بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، نحو تنويع مصادرها المالية واستغلال مواردها الأخرى غير النفطية، لتكون قادرة على امتصاص تأثيرات الأزمات الاقتصادية.
وأشار إلى أن دول الخليج؛ في مقدمتها السعودية؛ أجرت إصلاحات اقتصادية واسعة بدأت الآن تؤتي ثمارها بشكل واضح.
وذكر أن دول الخليج ضبطت مستويات الإنفاق بشكل مناسب، حتى لا يؤثر ذلك في موازناتها سنويا، مبينا أن هذا التوجه في السابق، لم يكن متبعا في دول الخليج لاعتمادها بشكل رئيس على النفط كدخل مالي أساس لدعم اقتصادها.
وقال يوسف "في حال استمرت أسعار النفط ما بين 60 إلى 70 دولارا للبرميل خلال الفترة المقبلة، فإن تأثير الركود الاقتصادي؛ في حال حدوثه؛ في دول الخليج، سيكون محدودا وغير مؤثر بشكل كبير، لكن في حال انخفضت دون 60 دولارا، فإن ذلك سينعكس سلبا على اقتصاد دول الخليج التي ستواجه تحديات متعددة".
وأضاف "للخروج من هذا المأزق، فإن الأمر يتطلب اتخاذ خطوات إصلاحية نحو ترشيد الإنفاق وضبط عملية التوسع، مع جذب الاستثمارات الأجنبية".
وأكد أن دول الخليج حتى الآن لا تواجه أي صعوبات اقتصادية خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، في حال استمرت أسعار النفط عند مستويات فوق 60 دولارا، لكن إذا حدث خلاف ذلك فعندئذ يتطلب من دول الخليج تنويع مواردها المالية دون الاعتماد على النفط، وبالتالي يمكن التوجه إلى دعم قطاعات تحقق هذا الأمر كقطاع الخدمات والسياحة.
وتابع "لعل السعودية قادرة على تحقيق ذلك والاستفادة من ميزة الحج والعمرة والمشاريع السياحية والترفيهية التي تُنفَّذ حاليا التي تحقق موارد مالية ضخمة".
من جانبه، أوضح الدكتور خالد البنعلي، أستاذ المالية والاقتصاد في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، أن دول العالم ستعمل على مواجهة الركود الاقتصادي العالمي سواء عن طريق الدعم الحكومي، أو تخفيض سعر الفائدة، فأمريكا أعلنت نيتها تخفيض الضرائب على الوظائف، كما أن "الفيدرالي الأمريكي" رغم أنه جهة مستقلة، لكنه سيضطر تحت الضغوط إلى تخفيض سعر الفائدة، وكذلك البنك المركزي الأمريكي سيعمل على اتباع خطة قوية لمكافحة التباطؤ الاقتصادي في أوروبا.
وذكر أن عمق الركود الاقتصادي قد لا يكون بالشكل المقلق والمخيف في ظل استعداد دول العالم لمواجهته، مبينا أن دول الخليج التي تعد من الدول المستقبلة للسلع والخدمات، ستواجه مشكلة انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية بسبب الركود الاقتصادي.
وأضاف "لذا نجد السعودية تحاول قدر الإمكان العمل على استقرار أسعار النفط عند مستويات معينة، حتى لا تتضرر الاقتصادات العالمية"، مشيرا إلى أن انخفاض دخل دول الخليج من النفط ربما يحدث، لكنه سيكون بشكل مؤقت في ظل توقعات بتحسن أسعاره في 2020.
وأوضح أن الحكومات الخليجية ستستمر في الإنفاق الحكومي للمحافظة على مستويات معيشة جيدة للمواطن الخليجي، رغم أن إيراداتها من النفط ستتأثر بعض الشيء بسبب الركود الاقتصادي العالمي.
بدوره، قال حجاج بوخضور، اقتصادي كويتي، "إن تأثير الركود الاقتصادي العالمي في دول الخليج سيكون من محور محدد يتمثل في الحرب العالمية بين الصين وأمريكا، بحكم أن دول الخليج لديها علاقات تجارية متنامية مع طرفي النزاع التجاري، وهذا الركود المتوقع يختلف في طبيعته عن الأزمات المالية العالمية الأخرى بسبب هذا الصراع التجاري".
وأفاد بأن الاقتصاد الصيني ينمو بشكل كبير للغاية وهو يؤثر في اقتصاد أمريكا التي تعاني عجزا في ميزانها التجاري بشكل كبير مع شركائها الاقتصاديين، كما تعاني أيضا تنامي الدين العام سنويا، ما جعلها تحتاج إلى الاستدانة بشكل ملحوظ، وهذا سيؤثر في الأسواق العالمية، متوقعا أن تشهد دول العالم ارتفاعا كبيرا من موجات التضخم المرتفع الذي يؤثر في أسعار الفائدة ويحد من النمو الاقتصادي.
وأضاف "لذا يجب على دول الخليج أن تتخذ عدة خطوات لمواجهة الركود الاقتصادي العالمي، رغم اتخاذها تدابير منذ بداية الصراع التجاري بين أمريكا والصين، من بينها زيادة الإنفاق المحلي في المشاريع التنموية، واعتماد إصلاحات اقتصادية لسنوات مقبلة، وبالتالي حققت نموا اقتصاديا حسب تقديرات صندوق النفط الدولي في حدود 2.1 في المائة للعام الجاري، وهذا النمو يعد مناسبا جدا".
وأشار إلى أن استمرار هذا النمو سيعطي دول الخليج فرصة للاستقرار الاقتصادي، كما أن دول الخليج المنتجة للنفط اعتمدت سياسة خفض الإنتاج للمحافظة على أسعار النفط مرتفعة.
وأوضح بو خضور أن السعودية ومن خلفها دول "أوبك" استطاعت أن توجّه سياساتها الاقتصادية إلى استيعاب التطورات الاقتصادية في العالم، التي من بينها تداعيات الحرب التجارية بين أمريكا والصين.
من جهته، لفت أسامة مؤمن، مستشار في مجال الاستثمارات، إلى أن دول الخليج تعد منظومة اقتصادية مؤثرة في الاقتصاد العالمي ككل، خصوصا السعودية التي تعد عضوا مؤثرا في مجموعة العشرين، وبالتالي فإن حدوث ركود اقتصادي؛ الذي يتوقع أن يكون منبعه من أمريكا؛ ستعم آثاره جميع دول العالم وسيؤثر في اقتصاداتها بشكل كبير، إلا أن المملكة قد تستطيع مواجهة هذا الركود.
وأوضح أن الدول الأقل نموا من النواحي الاقتصادية ولديها اكتفاء ذاتي قد لا تتأثر بشكل كبير بالركود الاقتصادي العالمي كما هي الحال في الدول ذات الاقتصادات الكبرى التي تعتمد على التبادل السلعي، فمثلا دول الخليج تعد موردة للنفط، لكن في الوقت نفسه تعد مستهلكا للمواد الأساسية خاصة الغذائية، وكذلك الدول الصناعية التي تحتاج إلى مواد أولية لتشغيل القطاعات الصناعية، وبالتالي ستنخفض أسعار منتجاتها بشكل كبير.
وأشار إلى أن معظم دول العالم تعد ذات اقتصاد متوسط، وعليه فإنها ستتأثر بشكل كبير من الركود الاقتصادي العالمي الذي يحتاج إلى أعوام عديدة لمعالجة تداعياته وآثاره في الاقتصاد العالمي.
وأوضح أن دول الخليج تعتمد على النفط بشكل كبير، وفي حال حدوث ركود اقتصادي عالمي سيؤدي إلى انخفاض أسعاره، الأمر الذي سيكون له تأثير في الاقتصادات الخليجية التي تقع كذلك في منطقة إقليمية معظم دولها يصنف ضمن اقتصادات ضعيفة لا تتحمل تأثير حدوث ركود اقتصادي عالمي.
بدوره، أكد عبدالرحمن أحمد الجبيري المختص والمحلل الاقتصادي، أن دول الخليج العربي بما تمثله من أهمية اقتصادية كبيرة في العالم، من حيث الإنتاج النفطي والأسواق الكبيرة في مختلف الأنشطة الاقتصادية ستعمل وفق الاستعدادات والاحترازات المتاحة لتلافي أي نتائج سلبية في الاقتصاد العالمي.
وأوضح، أن أثر معظم النتائج السلبية في الاقتصاد العالمي، يأتي في جانب التعاملات النقدية والارتباط بالدولار ومنظومة التجارة العالمية، وهو ما سيعكس التأثير المشترك مع الدول العظمى، مبينا أن آثارها ستكون أقل في الاقتصادات التي صنعت التنوع ولديها عناصر إنتاج قوية، وعززت من الوسائل المتاحة لمعالجة الأزمات الاقتصادية عن طريق رفع الإنفاق الحكومي، رفع أداة الطلب الكلي، والتوظيف المثالي لأدوات السياسات النقدية في جانب عرض النقود وأسعار الفائدة.
وقال الجبيري، "حتى نفهم التنبؤات الاقتصادية حول أي أزمة اقتصادية، علينا أولا فهم القراءة الواقعية للدورات الاقتصادية ومتغيراتها، والتفريق بين مفهوم الركود الاقتصادي وأدوات علاجه، وبين الأزمة الاقتصادية غير الطبيعية التي تحدث نتيجة اضطراب مفاجئ في النشاط الاقتصادي بسبب خلل ما في أحد القطاعات".
وأشار، إلى أن هناك تباينات في تحليلات المختصين الاقتصاديين في حدوث الركود من عدمه، بيد أن هناك من يرى أنه محدود، عطفا على الاستمرار في معالجة القضايا الاقتصادية المتشابكة وتوظيف أدوات السياسات النقدية.
وأضاف، "أي ركود في الاقتصاد العالمي، سيشمل الأطراف الدولية كافة، لترابط مكونات اقتصادات الدول مع بعضها بعضا، لكن كلما كانت هناك إجراءات احترازية وبدائل في أي اقتصاد كان امتصاص المخاطر أقل".
من جانبه، أوضح الدكتور سالم باعجاجة أستاذ الاقتصاد في جامعة جدة، أن تقديرات المنظمات الاقتصادية الدولية تشير إلى رؤية تشاؤمية لأداء الاقتصاد العالمي بنهاية 2019.
وأضاف، أنه "في يونيو 2019 صدر تقرير البنك الدولي ليكون أكثر تشاؤما حول أداء نمو الاقتصاد العالمي بنهاية العام، حيث توقع أن يكون النمو في حدود 2.6 في المائة، مقارنة بـ2.9 في المائة".
وذكر الدكتور باعجاجة، أن دول الخليج تعمل على مواجهة التحديات، خاصة الخارجية منها، بتنويع مصادر الدخل وجذب الاستثمارات الأجنبية.
من ناحيته، أكد عبدالعزيز عبدالله المحلل المالي، أن الخطوات التصحيحية في الاقتصاد الخليجي أحدثت نقلة نوعية في جانب التعاملات مع الاقتصادات العالمية.
وقال "عديد من أكبر اقتصادات العالم، أصبح يعتمد بصورة أساسية على بعض اقتصادات الدول الخليجية، لتحسين وضعه الاقتصادي ومواجهة الركود الاقتصادي لديه"، لافتا إلى أن التنوع الاقتصادي لدى دول خليجية منحها قوة اقتصادية إضافية، علاوة على أنها دول نفطية ذات ثقل في أسواق النفط العالمية.
من جهته، أوضح الدكتور جعفر الصايغ مختص اقتصادي بحريني، أن دول مجلس التعاون ذات اقتصادات مفتوحة ومرتبطة بالاقتصاد العالمي، وبالتالي فإنها معرضة للعدوى وانتقال الركود إليها.
وقال "من أهم الاحتياطات التي لا بد من اتخاذها تعزيز الثقة لدى المستثمرين والمستهلكين، بهدف تخفيف حدة تأثير الركود العالمي، كما أن زيادة السيولة في الاقتصاد تعطي رسالة واضحة بأن تأثير الركود العالمي محدود، إضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى إجراءات تحفيزية للاستثمار كونه عجلة النمو".
من جهته، يرى الدكتور سعيد الصقري رئيس الجمعية الاقتصادية العمانية، أنه بطبيعة الحال للعلاقة المباشرة بين انخفاض الأداء الاقتصادي العالمي وتأثيره في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي سيكون هناك تراجع في الطلب على الطاقة، وهذا يؤثر في اقتصادات دول الخليج.
وأشار إلى أن أبرز الاحتياطات لمواجهة هذه التحديات وأفضل الطرق، اتجاه دول مجلس التعاون إلى تنشيط السياحة الخليجية الداخليه، نظرا إلى القوة الشرائية الكبيرة التي تتميز بها الدول الخليجية.
وذكر الصقري أن استمرار الجهود المبذولة على مستوى الدول الخليجية لتسهيل تنقل الأيدي العاملة والاستثمار المشترك سيؤدي حتما إلى تنشيط الطلب الكلي في اقتصادات دول المجلس، والحد من تأثير الركود المتوقع عالميا.
وأكد أن الدول الخليجية خلال الفترة الماضية عملت على تسهيل الاستثمار الأجنبي بشكل كبير، الأمر الذي يعزز ويدعم عملية الاصلاح الاقتصادي، كما سيسهم في الحد من تأثير أي ركود.