عند الحديث عن أي مهنة فإن أهم المؤثرات في صناعتها هو مستوى التعليم وحاجة سوق العمل التي تستقطب الكفاءات. ويحيط بهما المجتمع المهني ومؤسسات المهنة التي تمثل مجتمع المهنة وتساعد على تطويرها وتحسين مستويات التعليم ورفع كفاءته، وتحافظ على حقوق أصحاب المصلحة بتمثيلهم في كل المناشط والاحتياجات.
فكرة المقال تراودني منذ أكثر من سبعة أعوام، بعد عودتي من الدراسة في بريطانيا. شاهدت وعايشت لأعوام مجتمعات المهنة والتكامل مع مؤسسات التعليم لمصلحة تطوير وتحسين المهنة، والمحافظة على المنتمين لهذه المهنة وزيادة ارتباطهم بها. وعلى النقيض وجدت الانعزال بين مؤسساتنا التعليمية فيما يتعلق بتخصص المحاسبة، وانفراد الهيئات والجمعيات وانعزالها عن البيئة الأكاديمية وعن أصحاب المهنة إلا من قليل.
يعد علم المحاسبة من أقدم العلوم وأكثرها تطورا، يرتبط ارتباطا وثيقا بكل مناحي الحياة لذلك وجه إليه الاهتمام في مرحلتي التعليم العالي والمهني. وفي الأغلب فإن جميع مؤسسات التعليم العالي في المملكة، العامة والخاصة، تقدم هذا التخصص ضمن أقسامها العلمية وكلياتها وفروعها حيث تفوق الأقسام العلمية التي تدرس علوم المحاسبة في مراحل الدبلوم والبكالوريوس والدراسات العليا ما يزيد على 200 قسم ومنشأة.
توفر سوق العمل في القطاعات المختلفة وظائف تزيد على 300 ألف وظيفة للمحاسبين وتخصصاتهم الفرعية، منها 170 ألفا في القطاع الخاص يمثل السعوديون فيها 20 في المائة تقريبا. التخصصات التي تندرج تحت المحاسبة لا تنحصر فقط في عمليات المحاسبة، إمساك الدفاتر، الشؤون المالية للموظفين "الرواتب والاستحقاقات"، المحاسبة الحكومية والوطنية، محاسبة التكاليف، التحليل المالي، الموازنات، التدقيق والمراجعة، المراجعة الداخلية، مراجعة الحسابات المستقلة وغيرها كثير من التخصصات الفرعية.
أحد أهم المؤشرات على تطور المهنة وتقدمها في البلد هو مستوى التعليم وقابلية الحصول على فرص العمل لخريجيها. وهنا تكمن أهم مشكلة لهذا التخصص. فعلى الرغم من أنه يدرس في جميع منشآت التعليم الحكومي والفني والأهلي "تقريبا" إلا أن البيانات توضح أن هذه المهنة ما زالت بعيدة عن التطوير محليا وعن توظيف شباب وشابات الوطن خصوصا في القطاع الخاص.
مؤسسات التعليم نسخة مكررة من بعضها قد تكون من بين العوائق، لكن من وجهة نظري أن المهنة اصطدمت بجهتين لم تقدما للمهنة كثيرا، الأولى جمعية المحاسبة المتوارية، الأخرى الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين SOCPA. رغم ظهور عدد من الجمعيات مثل جمعية المحاسبين الإداريين، والجمعية السعودية للمراجعين الداخليين، انشغلت الهيئة بمحاولة السيطرة على المهنة لعقود "وهنا أقصد مهنة المحاسبة" التي تندرج منها "مهنة المراجعة" كانت إحدى سمات العقود الثلاثة الماضية حتى لم يصل عدد المرخصين لمزاولة مهنة المراجعة 958 سعوديا وسعودية حسب بيانات SOCPA. قد يكون انشغال الهيئة بالسيطرة على كل ما هو ضمن تخصص المحاسبة سببا في ذلك، وقد تكون رغبة الهيئة في حصر الممارسة في عدد بسيط، وقد يكون عدم اهتمام بالمختصين في المهنة الأشمل من خلال وضع القيود أمام الأكاديميين للعمل في المهنة "واشتراط التفرغ". الأسباب التي يمكن التفكير فيها كثيرة ومختلفة، لكن الأهم أن الهيئة كان لها دور في عدم الوصول إلى التقدم المطلوب، وعدم بذل الاهتمام الكافي من الجمعية والمؤسسات التعليمية "خصوصا الجامعات". وأعتقد أن تجربة الهيئة السعودية للتخصصات الصحية SCFHSتجربة جديرة بالقراءة والاتباع لمصلحة شريحة واسعة من المنتمين لتخصص المحاسبة.
نقلا عن الاقتصادية
قراءة 1780 مرات
آخر تعديل في الإثنين, 13 يونيو 2022 11:09
في المحاسبين العرب، نتجاوز الأرقام لتقديم آخر الأخبار والتحليلات والمواد العلمية وفرص العمل للمحاسبين في الوطن العربي، وتعزيز مجتمع مستنير ومشارك في قطاع المحاسبة والمراجعة والضرائب.