مقالات .. "تقرير مدقق الحسابات والأثر المحاسبي لجائحة كورونا"

بقلم الدكتور محمد عبد الله صوان عضو مجلس إدارة المجمع الدولي العربي للمحاسبين القانونيين

من المواضيع الهامة التي تشغل بال الجمعيات المهنية المحاسبية في الوقت الحاضر تأثير كوفيد 19 على تقرير مدقق الحسابات والمعايير المحاسبية الدولية، وبالتحديد على الاحداث اللاحقة والطارئة التي حدثت بين نهاية السنة المالية، وبين تاريخ اعتماد القوائم المالية، حيث بموجب المعايير تم تصنيف كوفيد 19 على أنه حدث طارئ نشأ بعد نهاية فترة التقرير، وهذا يعني للمحاسبين والمدققين أن تعديل البيانات المالية لسنة 2019 غير مطلوب. ويجب على المدقق الإفصاح عن نتائج أعمال الشركة المحتمل حدوثها بالمستقبل سواء إيجابية او سلبية.  

 

كورونا أزمة غير مسبوقة، ومن الصعب التنبؤ بنتائج ومستقبل الشركات بعدها، في التدقيق يتم التعامل معها على أنها ظرف طارئ، جعلت من مكاتب التدقيق العالمية الكبرى تطلق تحذيرها وتتواصل مع عملائها ومكاتبها المنتشرة في شتى انحاء العالم لوضع خطة للتعامل معها وعكسها على تقرير التدقيق. حذرت في نفس الوقت بأن التأثير سيكون مباشرا وغير مباشر على الشركات، وأن القوائم المالية سوف تتأثر بذلك تباعا، وأن الضرر اليوم ليس بالضرورة أن يكون نفسه بعد شهر أو شهرين أو سنة.

 

من المعلوم أن الشركات تعطلت عن العمل في بداية الأزمة، معظمها من الشركات الصغيرة أو متوسطة الحجم والتي تعمل برأس مال صغير أو محدود. ومنها من لا تستطيع مواجهة الأزمة، وأخرى تستطيع الصمود لفترة محددة في ظل تلقي دعم حكومي، وفي نفس الوقت فإن عددا قليلا من الشركات قد لا تتأثر.  لكن ستكون أكثر الشركات المتضررة عالميا، شركات السياحة والنقل والعقارات وقد تظهر مستقبلا حالات إفلاس، وهناك الشركات المستفيدة مثل شركات التجارة الإلكترونية والاتصالات، والتوصيل، والصيدليات وشركات التنظيف وغيرها.

 

حكومة دولة الإمارات، أخذت قرارات هامة، من أجل الحفاظ على صحة الناس أولا، ومنع انتشار الوباء ثانيا، وضخت أموالا في البنوك، لإعادة النشاط للحركة الاقتصادية، ورصدت الدولة ميزانية 256 مليـار درهـم، للحـد مـن تأثير كورونا علـى المجتمـع. ووفرت خطة دعم للبنوك بمبلغ 50 مليار درهم بفائدة صفرية جلها مخصصة للقروض وسلف للأفراد والشركات. في دبي، قدمت الحكومة، حزمة من التسهيلات، شملت تجميد رسوم الأسواق، وتخفيض رسوم الكهرباء، وكذلك الحال في كل إمارة من إمارات الدولة قدمت حكوماتها الدعم للشركات والأفراد والاقتصاد وبأشكال مختلفة.

 

لا شك أن الأزمة صعبت من مهمة المدقق والمعايير المحاسبية، ولا شك أن الأزمة ألقت بظلالها على كافة المعايير المحاسبية، وسيكون تأثيرها الأكبر على الديون من حيث تحصيلها أو تأجيلها أو طلب إعفاء جزء منها، والتأثير سوف يطال الضمانات المقدمة للغير والخوف من تسييلها في حال إخفاق الشركة وبسبب توقف نشاطها عن تنفيذ العمل المطلوب منها أو توريد سلعة تم التعاقد عليها، وسيكون تأثير الأزمة واضح على انخفاض قيمة موجودات الشركات والشهرة وخاصة لبعض الماركات العالمية، وانخفاض قيمة الاستثمارات في شركات أخرى، وعلى المخزون ومنافع الموظفين والإيرادات والضرائب والمساعدات الحكومية. موضوع الأحداث اللاحقة ومفهوم الاستمرارية سيكون محل اهتمام أكبر للمدققين.

 

من ناحية أخرى وبالرغم من التأثير السلبي للأزمة على الشركات والاقتصاد، إلا أن الأزمة ليست بالضرورة أن تكون عبء على الشركات ومكاتب التدقيق فقد تكون أيضا فرصة يجب اغتنامها ومن هذه الفرض مثلا: على أصحاب مكاتب التدقيق، وأصحاب الشركات، إعادة النظر بخطط تعاملهم مع المخاطر المالية الجديدة مثل "مخاطر الأوبئة بصورة عامة، وعلى إدارات المراجعة الداخلية الحكومية تعديل برامج عملها، والقيام بمراجعات لاحقة ومتزامنة للآثار المالية التي ستخلفها الأزمة، أما الدوائر المالية في الحكومات المحلية، عليها القيام بإعداد تقاريرها المالية في التوقيت المناسب، وخصوصا عند وجود بنود موازنات منفصلة، اعتمدت للاستجابة لجهود مكافحة الفيروس، فيما أجهزة الرقابة المالية عليها القيام بمراجعة معاملات حالات الطوارئ دون تأخير، وبأقل فاصل زمني، وأيضا عليها تقييم المنفعة، مقابل المال المدفوع على عمليات الطوارئ والأزمات.

 

المعايير المحاسبية ذات الصلة بالأزمة، سواء المعايير الدولية للتقارير المالية IFRS أو معايير المحاسبية الدولية في القطاع العام IPSAS  كلها واجبة التطبيق، لكن هناك أربعة معايير الأكثر صلة ويمكن للمدققين مراجعتها وهي:

• المعيار المحاسبي رقم 1 (عرض البيانات المالية). كلما زاد عدد المتغيرات والافتراضات المتعلقة بالمستقبل، كلما زاد خضوع الاجتهادات للتقدير الشخصي وأصبحت الأمور أكثر تعقيد، وقد يتطلب الامر، إجراء تعديل على قيم الأصول والالتزامات ومزيد من الإفصاحات.

• والمعيار المحاسبي رقم 8 (السياسات المحاسبية، والتغييرات في التقديرات المحاسبية). نتيجة حالات عدم التأكد. فإن العديد من بنود القوائم المالية لا يمكن قياسها بدقة، ولكن يمكن تقديرها فقط.

• والمعيار المحاسبي رقم 10 (الاحداث بعد تاريخ الميزانية العمومية). أكد على الشركة تقديم افصاح ووصف للحدث واثرة المالي. ومن امثلة الإفصاحات: إخفاق الشركة في سداد التزاماتها، وقف بعض أنشطتها، قرار بإعادة هيكلتها ، تغيرات كبيرة بأسعار الأصول، كفالات معطاة للغير، تجاوبت بعض الدول للتعامل مع الاحداث اللاحقة مثلا في ابريل الماضي صدر تعميم بالأردن واعتبر كوفيد 19 بشكل عام حدث لاحق غير معدل للقوائم المالية.

• المعيار المحاسبي رقم 34 (التقارير المالية المرحلية) المعيار يطلب أن تُفصح القوائم المالية عن شرح حول، الأحداث والمعاملات الهامة واللازمة لفهم التغييرات التي حدثت في المركز المالي، منذ تاريخ نهاية القوائم المالية 2019 أي في حالة كورونا مطلوب تقديم معلومات إضافية، تعكس التأثير والإجراءات التي تم القيام بها لاحتواء الفايروس.

 

وإذا كان الحدث الطارئ "كورونا" أمر واقع وموجود. ماذا يكتب المدقق عنه بمعيار الأحداث اللاحقة. هناك فقرات ونصوص يتقيد المدقق فيها ومنها :

نص فقرة (1) : تعتقد الشركة. أن هذا الحدث الطارئ. يعتبر من الأحداث، الواقعة بعد فترة صدور الميزانية. وغير مطلوب اجراء تعديلات بالقوائم المالية حسب تقدير الإدارة.

نص فقرة (2) : وفي هذه المرحلة المبكرة من الحدث. قامت الشركة، بتكوين فريق عمل لتقييم الآثار المتوقعة على أعمال الشركة. وقامت بإجراء دراسة أولية. بغرض مراجعة وتقييم المخاطر المحتملة والمتعلقة ببعص الأمور.

نص فقرة (3) : في حال حدوث أي تغييرات جوهرية في الظروف الحالية . سيتم تقديم إفصاحات إضافية. أو إقرار تعديلات في القوائم المالية.

 

هذه أهم العبارات والفقرات التي يتفق عليها جميع مكاتب التدقيق الفقرات عند وصف الأحداث اللاحقة، كما نشير إلى التقرير السنوي والذي يصدر عن الإدارة العليا وله علاقة بوصف الاحداث اللاحقة ويتميز بالشفافية، ويوزع على المساهمين بالبريد المسجل ويشمل التقرير معلومات إضافية وتفصيلية عن الشركة وأهم الاحداث البارزة ومنها أزمة كورونا. فيما يتحدث تقرير مجلس الإدارة عن نقاط مهمة تتعلق بالشركة وهي: الإنجازات والاستراتيجية ونشاط الشركة، والمخاطر المالية في الشركة، بالإضافة إلى التوقعات المستقبلية والنتائج المالية، وأخيرا سياسة الشركة في توزيع الأرباح والمكافآت.

 

ويشمل تقرير مجلس الإدارة على إقرارات تصدرها الإدارة وتصدر بصيغة (تُقر الإدارة بأن سجلات الحسـابات أعدت بالشكل الصحيح، وأن الشركة لديها نظام رقابة مالية جيد، وليس لدى الشركة أي شـك بقدرتها على مواصلة نشـاطها). بالإضافة إلى التقارير والإقرارات هناك أيضا تأكيدات تصدر من الإدارة مثل: (تؤكد الإدارة أنها لـم تقـدم أي قـرض نقـدي لأعضاء مجلس الادارة والإدارة تُقر أنها ملتزمة بمعايير المحاسبة الدولية، وبمعايير السوق المالي وغيرها، وكذلك الإدارة تقر أنه لن يتم إجراء أي تعديل جوهري في سجلات حسـاباتها).

 

هذا بالنسبة للتقرير السنوي وتقرير مجلس الإدارة أما تقرير مدقق الحسابات والقوائم المالية والتي تهدف إلى إيضاح المركز المالي الحقيقي لأصول وخصوم الشركة، وبيان الربح أو الخسارة توفير معلومات عن المركز المالي للمستخدمين. ومساعدة القيادة في اتخاذ القرار بالإضافة إلى توفير الأرقام والبيانات والمقارنات والمؤشرات أيضا للمستخدمين (المساهمين، الإدارة، الموردين، البنوك، السوق المالي ...الخ)

 

وبصوره عامة: لا يمكن للشركة أن تطور من أعمالها، أو تتنافس مع غيرها، دون معرفة وضعها المالي. ونقصد بالوضع المالي الأرقام الصادرة عن تقرير مدقق الحسابات. وهذا التقرير هو شهادة من المدقق على صحة البيانات المالية التي أعدتها الإدارة. وشهادة المدقق لا تقل أهمية عن التقارير المالية فهي عصب التقرير وهي اول صفحة يبدا المستخدم قراءتها للاطمئنان على ما يشهد المدقق فيها عن الحسابات وتشمل الشهادة خمس فقرات هامة وهي

• فقرة 1         تنص على: لقد راجعنا القوائم المالية المرفقة للشركة، والتي تشمل قائمة المركز المالي وقائمة الدخل، وقائمة التغير في حقوق الملكية، وقائمة التدفقات النقدية، وملخص عن السياسات المحاسبية والإيضاحات.

• فقرة 2 :       مسؤولية الإدارة حول القوائم المالية : الإدارة هي مسؤولة عن إعداد القوائم المالية، تتضمن هذه المسؤولية الاحتفاظ بنظام رقابة داخلي، و الإدارة هي المسؤولة عن عرض البيانات، بصورة عادلة وخالية من الأخطاء الجوهرية سواء كانت ناشئة عن الغش او الخطأ، وأخيرا : الإدارة هي المسؤولة عن اختيار السياسات المحاسبية وعن إجراء التقديرات المعقولة.

• فقرة 3 بشأن: مسؤولية مراجع الحسابات: بإبداء الرأي حول القوائم المالية، استنادا الى أعمال المراجعة التي قام بها المدقق، وان تتم المراجعة وفقا لمعايير المراجعة الدولية، والتي تتطلب الالتزام بأخلاقيات المهنة، وتتطلب أيضا تخطيط وتنفيذ أعمال المراجعة، للحصول على قناعة معقولة بأن القوائم المالية خالية من الأخطاء الجوهرية.

• فقرة 4 تتضمن: سرد لأعمال المراجعة وهي كثيرة، نذكر منها مثال: الحصول على أدلة المراجعة الثبوتية، وتقييم مخاطر الأخطاء الجوهرية للبيانات المالية.  

• فقرة 5 وهي الأهم: ويختم فيها المدقق قائلا: نعتقد بأن أدلة المراجعة التي حصلنا عليها، كافية وملائمة لأن تكون أساساً لإبداء رأينا. ويضع بسطر منفصل عنوان بكلمة واحدة "الرأي" يذكر فيه المدقق العبارة التالية: في رأينا، إن القوائم المالية المرفقة، تُظهر بعدالة المركز المالي للشركة. وأداءها المالي، وكذلك تدفقاتها النقدية للسنة المنتهية في 31/12/2019، ووفقا للمعايير الدولية. وهي تتفق مع متطلبات عقد التأسيس والنظام الأساسي للشركة. وهناك أربع أنواع من الرأي وهي: 1- رأي بدون تحفظ أي "رأي نظيف"   2- رأي متحفظ: (بسبب، عدم الاطلاع على بيانات، لها تأثير على القوائم المالية، مثل عدم اخذ المخصصات المناسبة )  3- رأي سلبي معاكس: (مثل وجود تحريف جوهري او تزوير بالبيانات)  4 - الامتناع عن الرأي بسبب (عدم حصول المدقق على بيانات كان قد طلبها لأهميتها) الخلاصة : رأي المدقق قد يلفت النظر الى أمر هام وغائب عن المستخدم. وهذا الامر الهام قد يغير القرار (مثل: عدول الشخص عن شراء حصة بشركة).

 

أثر الوباء على متطلبات بعض معايير التقارير المالية الدولية والمبادئ المحاسبية والتي لها أهمية كبيرة وأثر جوهري على البيانات المالية للشركات، وكما يلي :-

1.       فرضية الاستمرارية: حيث يجب التحقق من قدرة الشركة على الاستمرار في عملها والتحقق من قدرة الشركة على الوفاء بالتزاماتها وقدرتها على الاستمرار بالتشغيل ومن مدى كفاية رأس مالها العامل ومن السيولة النقدية المتوفرة لديها اللازمة لاستمراريتها.

2.       معيار التقارير المالية رقم )9) الادوات المالية فيما يتعلق بالموجودات والمطلوبات المالية وعرضها وتصنيفها والقيمة العادلة لها.

3.       معيار التقارير المالية رقم (7) الافصاح عن المعلومات حول أهمية الأدوات المالية للشركة ومدى طبيعة المخاطر الناشئة عن تلك الأدوات وكيفية إدارتها.

4.       معيار التقارير المالية رقم (36) المتعلق بتدني قيمة الأصول واضمحلالها حيث تكون المنشأة غير قادرة على استرداد قيمة أصولها الدفترية.

5.       معيار المحاسبة الدولي رقم (20) محاسبة المنح الحكومية والإفصاح عنها.

6.       معيار التقارير المالية رقم (16) عقود الإيجار من حيث التحقق من أية آثار للوباء على تلك العقود ومن إثبات أية التزامات إضافية على الشركة نتيجة تلك العقود خلال فترة الوباء.

7.       معيار المحاسبة الدولي رقم (37) المخصصات والالتزامات المحتملة والموجودات المحتملة (بشأن استرداد قيمة التأمين) ودراسة مدى الحاجة لقيام الشركة بتكوين واستدراك المخصصات والاحتياطيات اللازمة لمواجهة اية التزامات او مخاطر تترتب على الشركة نتيجة الوباء.

8.       معيار التقارير المالية رقم (15) الاعتراف بالإيراد من حيث التحقق من صحة عرض وتصنيف الالتزامات المترتبة على الشركة وربطها مع مواعيد استحقاق الدفعات وأثر ذلك على تصنيف تلك الدفعات ما بين التزامات قصيرة الأجل والتزامات طويلة الأجل.

9.       معيار المحاسبة الدولي رقم (10) الأحداث اللاحقة من حيث التحقق من كفاية الإفصاح اللازم للأحداث اللاحقة لتاريخ البيانات المالية وتاريخ صدورها وخاصة الأحداث التي من الممكن أن تنشئ التزاما محتملا على الشركة.

قراءة 2940 مرات آخر تعديل في الإثنين, 20 يونيو 2022 08:57
سجل الدخول لتتمكن من التعليق

 

في المحاسبين العرب، نتجاوز الأرقام لتقديم آخر الأخبار والتحليلات والمواد العلمية وفرص العمل للمحاسبين في الوطن العربي، وتعزيز مجتمع مستنير ومشارك في قطاع المحاسبة والمراجعة والضرائب.

النشرة البريدية

إشترك في قوائمنا البريدية ليصلك كل جديد و لتكون على إطلاع بكل جديد في عالم المحاسبة

X

محظور

جميع النصوص و الصور محمية بحقوق الملكية الفكرية و لا نسمح بالنسخ الغير مرخص

We use cookies to improve our website. By continuing to use this website, you are giving consent to cookies being used. More details…