"في البداية يظنون أنك مجنون، ثم يهاجمونك ويتهمونك بالفساد المالي، ثم يقاضونك؛ لأنك فقط زعمت أنك ستغير العالم". هكذا ردت إليزابيث هولمز على اتهامها بالغش والاحتيال في شركتها المفلسة "ثيرانوس". بدأت قصة هذه الشقراء الأمريكية التي تركت مقاعد الدراسة في جامعة ستانفورد وهي لم تكمل الـ19 ربيعا من عمرها؛ لتنشئ شركة خاصة بها أطلقت عليها اسم "ثيرانوس"، وكانت فكرتها تقوم على اختراع جهاز محمول يقوم بتحليل الدم من خلال قطرة دم تؤخذ من الإصبع، وتكشف النتائج في لحظات؛ لتجنب الأشخاص عناء الذهاب للمختبرات، وأخذ عينات وريدية والانتظار لأسابيع.
هذه الفتاة المعجبة بستيف جوبز وشركة أبل لدرجة تقليد ستيف جوبز في طريقة ملابسه السوداء البسيطة، أغرت عديدا من موظفي "أبل" للعمل لصالحها مقابل رواتب ومميزات خيالية، بل واستخدمتهم للتجسس على "أبل" والشركات الأخرى. وكانت تنتهج الديكتاتورية في إدارة الشركة، وتفصل كل من تشك في ولائه للشركة، أو من يشكك في نجاح مشروعها، كما استخدمت صديقها الذي كان يشغل منصب مدير العمليات في الشركة، الذي يتحدر من أصول باكستانية ويكبرها بعشرات السنين، بتهديد العاملين، ورشوة الأطباء والمرضى، وغيرها من عمليات الفساد والابتزاز، إضافة إلى انتهاج التسويق الإعلامي الكبير لمشروعها، وإنشاء المختبرات الوهمية.
استطاعت هذه الفتاة بقوة وحضور شخصيتها إقناع عدد من المستثمرين للاستثمار في مشروعها بقيمة قاربت مليار دولار، ومنهم الداهية روبرت مردوخ الذي استثمر 125 مليون دولار في مشروعها، إضافة إلى رجل الأعمال المعروف كارلوس سليم وغيرهما، كما أقنعت عددا من الشخصيات المهمة ليكونوا أعضاء مجلس إدارة، منهم هنري كسنجر.
بدأت قصة انهيار هذه الشركة عام 2015 عندما قال مراسل صحيفة "وول ستريت": إن هذا الجهاز لا يعمل كما هو معلن عنه؛ ما جعل الإعلام يتداعى على إليزابيث لمقابلتها ومساءلتها، فلم تكن قادرة على الإجابة، والكشف عن حقيقة هذا الجهاز المزيف، وبدأت بدفع الملايين من الدولارات لاختبارات طبية مخادعة لإثبات فعالية الجهاز، إضافة إلى انسحاب معظم المستثمرين لترى ثروتها التي تجاوزت تسعة مليارات دولار تتحول إلى صفر، وتخضع للمحاكمة بتهمة الفساد والتضليل.
من المهم في القرارات الاستثمارية البعد عن العاطفة والانطباعات الأولية عن شخصية رائد الأعمال الذي قد يبهرك بحماسه وسماته القيادية، وفكرة مشروعه الإبداعية، والاعتماد في قراراتك الاستثمارية على خبراء المجال الذي تقع فيه فكرة الاستثمار.
ومن المهم أيضا ألا ينخدع المستثمر بالأسماء الكبيرة التي تشغل مقاعد مجلس الإدارة، ولا بشكليات الحوكمة والموقع الإلكتروني للشركة، بقدر ما يملك هؤلاء الأعضاء من خبرة في مجال المشروع، إضافة إلى الخبرة الإدارية والمالية، وأهم من ذلك نزاهتهم. كما يجب الحذر من مجالس الإدارات التي يمتلك فيها صاحب المنشأة الحصة الأكبر من الأسهم؛ لأن مجلس الإدارة يصبح صوريا من خلال اتخاذ المالك للقرارات بحكم الأغلبية.
الإعلام الحر النزيه سلطة رابعة، وأداة مهمة لكشف التلاعب والخداع، وعلى الدول التي تسعى لمحاربة الفساد أن تدعم استقلالية ومهنية الإعلام.
هذه القصة المثيرة تم تلخيصها في كتاب بعنوان "دم فاسد.. أسرار وأكاذيب في شركة ناشئة في وادي السيليكون" للكاتب جون كاريورو، الذي حاز عديدا من الجوائز، وتم تصنيفه كأحد أهم كتب الأعمال في العام الماضي.
قراءة 1180 مرات
آخر تعديل في الثلاثاء, 14 يونيو 2022 11:23
في المحاسبين العرب، نتجاوز الأرقام لتقديم آخر الأخبار والتحليلات والمواد العلمية وفرص العمل للمحاسبين في الوطن العربي، وتعزيز مجتمع مستنير ومشارك في قطاع المحاسبة والمراجعة والضرائب.