مقالات .. وَيحدثونك عن الإفلاس!

كاتبة المقالة : د. نوف عبدالعزيز الغامدي مستشارة تنمية اقتصادية وسيناريوهات مستقبلية

افلاس الشركات من القضايا الاقتصادية التي تفرض نفسها اليوم على طاولة النقاش والحوار لدراستها ووضع الحلول نظراً لإزديادها، فعدد قضايا الإفلاس المنظورة في المحاكم التجارية لدينا اليوم تجاوزت نحو 500 قضية نتيجة التغيرات الاقتصادية ، وهو رقم له تأثير على الإقتصاد، وكما نعلم أن  إفلاس الشركات أكثر أهمية من افلاس التاجر كشخص، ففي حالة افلاس التاجر تكون المحافظة على أمواله ووضع اليد عليها لمصلحة الدائنين. أما للشركات فانه الى جانب الدائنين توجد مصلحة المساهمين الذين لا يشاركون مباشرة في إدارة الشركة وأسهمهم تمثل مدخراتهم واستثماراتهم، لذلك فان وضع اليد على مقومات الشركة في حالة الافلاس حفاظاً لهذه الأموال من العبث.

 

من المؤكد أن إعلان حالة الإفلاس يحمي أموال المصارف ومؤسسات التمويل وحاملي السندات، إضافة إلى أن الإفلاس يحمي الشركة نفسها من سوء تقييم الأصول قبل الخروج من السوق وبأقل خسائر ممكنة، فالإفلاس أمر قادح في السمعة التجارية؛ لذا فإن أول الخاسرين هم: المالك، ومجلس الإدارة، والإدارة التنفيذية على المستوى المهني، إضافة إلى أن المستثمرين قد يفقدون رأس المال، ولا يمكن القول أن الإفلاس مؤشر صحي، لكن الجهات الرابحة من حالات الإفلاس هي الاقتصاد العام، فعند خروج الشركات التي لا تضيف قيمة إلى الاقتصاد ستتيح للسوق التخلص من الشركات غير الفعالة، وإعادة تخصيص رأس المال للشركات ذات الكفاءة، ونشوء فرص استثمارية لظهور منافسين جدد، غالبا ما تتجاهل الجهات المنظمة للسوق مساعدة تلك الشركات، ولا سيما إذا كان لدى تلك الشركات تاريخ سيئ من الممارسات الضارة، كالاحتكار أو الفساد، وأنها لا تضيف إلى الاقتصاد أي قيمة، وهذا ما يعرف بالتجاهل المحمود، أما في حالة إفلاس المصارف أو الشركات التي تضيف إلى الاقتصاد قيمة، كنقد أجنبي أو وظائف للمواطنين، فإن الحكومات تتدخل بشكل قوي؛ لمنع اندلاع أزمات قد تؤدي إلى كوارث اقتصادية لأن تجاهل إنقاذها قد يؤدي إلى فقدان ثلاثة ملايين وظيفة، وغالبا ما تستخدم الحكومات الأموال الاحتياطية أو الضرائب للإنقاذ، وإذا لم تر الحكومات أن إفلاس تلك الشركات يمثل خطرا، فإنها لا تتدخل غالبا؛ لأن التدخل المفرط يؤدي إلى تهاون الشركات في التعاطي مع الديون أو زيادة معدلات التلاعب.

 

مما لا شك فيه أن الافلاس أمر شائع وطبيعي في عالم التجارة المليء بالمخاطر، وليس من العيب الاعلان عن الافلاس واعلانه. وهناك فرق بين الافلاس والتفالس، فالافلاس هو اضطراب في أعمال التاجر وعجز في امكانية سداد ديونه نتيجة الخسارة الطبيعية وهو أمر تجاري يقع على الرغم من ارادة التاجر، ويحدث الإفلاس حين لا تمتلك الشركة القدرة على سداد ديونها، ولا يتبقى شيء من الأموال لأصحابها، لذلك فسوف تقل قيمة الأسهم أو تفقد قيمتها تماما نتيجة للإفلاس، وقد يعود إفلاس الشركات إلى ضعف إدارتها وانعدام الخبرة التي ينتج عنها إصدار سلسلة من القرارات السيئة، التي تؤدي إلى عدم قدرة الشركة على دفع الأموال إلى دائنيها، هذا إضافة إلى التغيرات غير المتوقعة في بيئة الأسواق التي تعمل بها الشركة، مما يؤدي إلى انخفاض مبيعاتها.

 

في المقابل تستطيع المحكمة أو القضاء التجاري أيضاً رفض طلب إعلان إفلاس شركة إذا ارتأت أن هناك إمكانية لإعادة الهيكلة. والهدف تصفية أموال الشركة جميعها وبيعها وتوزيع ثمن ما حصل من عملية البيع وفاءً لديونها أو على القدر الممكن منها، والإفلاس بالنسبة للتجار يتحقق حال توقفه المقصود عن دفع ما عليه من أموال، والتوقف يكون مقصوداً نتيجة مرور التجار بظروف وضائقة مالية تنبئ بأن مركزه المالي غير مستقر وان حقوق الدائنين في خطر محقق أو يحتمل تحققه. وعلى سبيل المثال لو كان على الشركة عليها ديون بنحو 100 مليون ريال، ولم تستطع دفعها في آجالها كما أنها لم تستطع التوصل مع الدائنين على خطط لإعادة هيكلة هذه الديون (إما بتخفيضها أو تقسيطها أو تأجيل مواعيد السداد) فستقوم البنوك برفع قضايا على هذه الشركة أمام القضاء التجاري الذي سيقوم بعد ذلك بإعلان إفلاس الشركة رسمياً، حيث ستقوم البنوك التي يعينها القاضي ببيع جميع أصول الشركة المسجلة في مزادات علنية، وتوزيع عائد البيع على الدائنين حسب الحصص، وإذا كانت هذه الأصول تقيم بأكثر من 100 مليون ريال يتم إعطاء الباقي إلى مالك الأصول (الشركة).

 

أما إذا كانت قيمة هذه الأصول أقل من قيمة الديون فهنا يجب التفريق بين نوعية الشركة، حيث إن الشركات تنقسم إلى قسمين: شركات عائلية أو تضامنية أو شخصية أو شركات ذات مسؤولية محدودة أو شركات رأسمال، حيث في النوع الأول يؤدي إفلاس الشركة إلى إعطاء الحق للدائنين في حال عدم كفاية قيمة الأصول في سداد الديون إلى التحكم في الأصول الشخصية لملاك الشركة، أما في الحالة الثانية يكتفي الدائنون ببيع الأصول التابعة للشركة كشخصية اعتبارية ولا يحق لهم التحكم في أصول المساهمين في الشركة. وفي حالة بيع الأصول لا يتم تفضيل دائن عن آخر، فإذا كانت الديون 100 مليون حصة أحد الدائنين منها 50 مليوناً أي ما يعادل 50%، وقيمة ما تم تحصيله من بيع أصول الشركة المفلسة 50 مليوناً، لا يحصل الدائن المذكور على كل أمواله بل يحصل على حصته وهي 50% والتي تعادل في هذه الحالة 25 مليون ريال. وفي حال قررت المحكمة قبول طلب إعادة الهيكلة الشخصي، تقوم بتعيين خبير أو لجنة خبراء لمساعدة المدين في إعداد خطة الهيكلة كما أنها تعين مدققين ماليين للمساعدة في تسيير أمور الشركة حتى توفي بالتزامات الدائنين. وفي هذه الفترة لا يحق لملاك الشركة أو مدراؤها التنفيذيون أو موظفوها القيام بأي وظائف تهم الجانب المالي أو الإداري للشركة وبينها التصرف في أصول الشركة أو بيع وشراء أسهم أو الحصول على قروض من بنوك أخرى دون أخذ موافقة وتوقيع الخبير الذي عينته المحكمة، وفي حالة مخالفة ذلك تعتبر المحكمة ذلك جريمة يعاقب عليها القانون.

 

وهناك نوعان من الإفلاس؛

الأول:  تُدفع فيه أصول الشركة التي يتم تصفيتها بواسطة وكيل الدائنين، وإذا كان هناك فائض من العائدات بعد ذلك، فإنه يذهب إلى المساهمين، وهذا أمر نادر الحدوث، حيث ينتهي الأمر بالمساهمين في أغلب الأحيان إلى عدم الحصول على أي شيء، وتفقد الأسهم قيمتها.

الثاني: يتم فيه التفاوض على تسوية ديون الشركة بواسطة وكيل الدائنين، وفي الحالتين إذا كانت الشركة عامة، ويتم تداول أسهمها في البورصة، فيتم تعليق تداول الأسهم.

 

من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الإفلاس وفشل النموذج التجاري المشاكل التي تتعلق بنموذج العمل، فالطريقة التي تتطور الشركة من خلالها وتخلق قيمة لعملائها، وهو عنصر أساسي في استراتيجية الشركة، ومع ذلك فإذا كان نموذج العمل غير راسخ أو محفوفاً بالمشاكل، فإن العمل يكون معرضا للمخاطر، ويُمكن أن تشمل المشكلات في نموذج أعمال الشركة؛ السوق المشبعة، فـ في بعض الأحيان تحاول الشركة الوصول إلى مستهلكين لا يحتاجون أكثر من منتج معين موجود في السوق من الأساس، وبذلك تواجه الشركة صعوبات من أجل إيجاد قاعدة عملاء، كما أن وجود كثير من المنافسين قد يكون له تأثير كبير فكلما كان السوق ممتلئاً بالمنافسين كلما صار أصعب على الشركات أن تحصل على حصة من السوق، وقد تكون المنافسة قوية للغاية وتدفع بالشركات الجديدة للخروج من السوق بسبب عدم قدرتها على المنافسة، أيضاً صعوبات الدخول، حيث يُصعب الدخول إلى بعض القطاعات بسبب متطلبات قانونية أو تكاليف الإطلاق المرتفعة، مما يجعل عملية الدخول نفسها بالنسبة للشركات صعبة ومرهقة للغاية، ويمثل ذلك فشلاً للشركات من قبل البدء. ولـ الأفكار السيئة دور كبير فـ بعض رواد الأعمال يعتقدون أن لديهم فكرة رائعة وأن منتجاتهم ستحقق نجاحا كبيرا بمجرد دخولها إلى السوق، لكنهم لا يأخذون الوقت الكافي لدراسة السوق المستهدف أو اختبار المنتج على نحو فعال. وتتفاجأ بعض الشركات بـ صعوبة التنفيذ، التي تكون متفائلة بخصوص المنتج، من دون أن تدرك صعوبة أو عدم توافر الموارد، أو المواهب اللازمة لمواصلة مسيرتها. كما ينبغي على الشركات أن تفهم أهمية التكنولوجيا وأنظمة الحوسبة في تنفيذ الأعمال، وفي مساعدة الشركة على توفير ملايين الريالات، فالشركات التي تحاول المنافسة بتقنيات قديمة قد تفقد القدرة على التنافس، ولن تستطيع المواصلة لفترة طويلة.

 

وهناك مشكلات أخرى منها مشاكل تتعلق بسوء الإدارة، في بعض الأوقات يكون لدى رواد الأعمال دافع كبير للمنتج أو الخدمة التي يقدمونها دون أن يكون هناك إدارة جيدة. وأيضاً نقص البحث والتخطيط، الفشل في تحديد وفهم السوق والعملاء وعادات الشراء لديهم، ويتطلب ذلك الأمر شهورا من البحث والتخطيط، والإجابة المحددة عن بعض الأسئلة مثل من هم العملاء؟ كيف تسير المنافسة في هذا القطاع؟ ما المجموعة التي ينبغي استهدافها؟ ما سياسة التسعير الملائمة للعميل والسوق المستهدفين؟ خصوصاً مع تغير سلوك المستهلك، وأيضاً ضعف القيادة، فهناك بعض الأمور التي ينبغي توافرها في مدير الشركة من أجل قيادتها نحو النجاح، والتي تشتمل على الخبرة وفهم الأعمال، والقدرة على التفكير تحت الضغط، والقدرة على تحديد الأولويات، واتخاذ القرارات الصعبة، القدرة على التعامل بفعالية مع وجود النقد، إضافة إلى القدرة على الإلهام والتحفيز، وقد تتعرض الشركة لمشكلات بسبب نقص هذه الأمور في أساسيات القيادة. وأيضاً الأوضاع المالية، فبعض الشركات لا تدرك كم الأموال التي تحتاجها من أجل استمرار وجودها، فعلى أصحاب الأعمال إدراك هذه النقطة وتحضير الأعمال على أساسها، وإلا تعرضت الشركة للإفلاس. كما أن نقص التدفقات النقدية يؤدي لإخفاق كثير من النماذج التجارية ، فالهدف من أي مشروع تجاري هو تحقيق أعلى قدر من المبيعات والأرباح، إلا أن إدارة مشروع تجاري مربح لا يعني بالضرورة البقاء، ففي حين أن بعض الشركات لديها حجم مبيعات مرتفع وهامش ربح معقول، إلا أنه يُمكن وقوع الكثير من المشكلات حين لا يكون الدفع نقدًا، فهناك الكثير من الفواتير التي ينبغي أن تدفعها الشركة نقدًا، وتتعرض بعض الشركات إلى نقص التدفق النقدي، مما يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة لوضع الشركة. ولا يخفى علينا أن المشاكل الاقتصادية تؤدي إلى صعوبة بقاء الأعمال، وتشمل المشكلات الاقتصادية التغيرات في الإنفاق، حين لا يكون لدى العملاء أموال كافية لإنفاقها، إذ تنهار العديد من الشركات خلال مراحل الركود. كما وتشمل العوائق الاقتصادية أيضا التغيرات في اتجاهات المستهلك والصناعة، وتفشل الشركات حين تخفق في التكيف مع تغير اهتمامات العملاء وتوقعاتهم، مما يعني أن خطا كاملا من إنتاجها يُمكن أن يكون عفا عليه الزمن. وأخيراً؛ المشاكل القانونية، والتي تكون عادة مكلفة للغاية، ويُمكن أن تتسبب في إفلاس الشركة، وتشمل تلك المشكلات الدعاوى القضائية التي يُمكن أن يرفعها العملاء، والمشكلات المتعلقة بتغيير القوانين واللوائح.

 

والإفلاس له عدة أوجه منها؛ الإفلاس البسيط، والذي يحصل عندما يتوقف التاجر عن دفع ديونه التجارية بسبب ظروف سياسية أو اقتصادية طارئة تؤدي إلى نقص أو ضعف في قيمة ومجوداته ناتج عن كساد السوق أو المواسم أو عسر أو خسارة لحقت ببعض زبائنه فتأثر بها. وعليه فإن التاجر (سواء كان فردا أم شركة) الذى يتوقف عن دفع ديونه يتحقق فيه حكم الإفلاس التجاري، لكن من المهم أن نعرف أن التوقف عن الدفع في حد ذاته ليس بجريمة يعاقب عليها، إذا كان هذا الإفلاس التجاري راجعا إلى وضع خارجٍ عن الإرادة أو إلى الخطأ اليسير، أما إذا اقترن الإفلاس بخطأ فاحش أو تدليس فانه يُعدُ مكونا لجريمة التفالس، ولذا كانت قوانين الإفلاس الدولية تنص على جريمة الإفلاس التقصيري ويليها في قوة الجرم الإفلاس التدليسي (الاحتيالي)، أما الإفلاس التقصيري، فإنه ينجم عن أخطاء يرتكبها التاجر، كأن يسيء ويبالغ في الإنفاق على نفسه وعائلته أو أنه قد يعمد إلى المضاربات في الأسواق المالية (البورصات) أو إلى استعمال سندات الإعارة أو سحب شيكات بدون رصيد، فمثل هذه الأعمال تشكل جنحة الإفلاس التقصيري المعاقب عليها جزائياً بعقوبة جنحية. والنوع الثالث وقد يكون أخطرهم هوّ الإفلاس الاحتيالي، فإنه يحصل عندما يلجأ التاجر إلى إخفاء أمواله والهرب بها أو ببعضها، أو عندما يلجأ إلى إخفاء دفاتره أو ارتكاب التزوير فيها، مما يوجب محاكمته جنائياً بذلك، وهذا يعني أن الإفلاس التجاري قد يكون نتيجة تدليسٍ وتحايلٍ من التاجر الفرد أو من القائمين على الكيان التجاري ذي الشخصية المعنوية (الشركات التجارية). وهو الذي يمثل التفالس التدليسي أو الاحتيالي وقد يكون نتيجة خطأ جلي وهو ما يعرف بالتفالس التقصيري. وننبه على أن كلمة (تفالس) للتدليسي والتقصيري أدقُ من كلمة (إفلاس) وذلك تمييزا لهما عن الإفلاس الحقيقي غير الجنائي، وذلك لأن الإفلاس الجنائي ليس إفلاسا حقيقيا بل هو أفعال وقعت بإرادة فاعلها واختياره أدت لتحقيق الإفلاس أو اصطناعه والإيهام بوقوعه. وكما أن تجريم التفالس يقع على التاجر الفرد، فإنه في نطاق الشركات التجارية يقع على مديري الشركات وأعضاء مجالس إداراتها.

 

وقد تم نشر نظام المحكمة التجارية عام 1350 هـ في السعودية حيث جاء في الباب العاشر منه تنظيمآ لمسائل إفلاس الشركة أو التاجر. وبعد التطور في عالم التجارة في المملكة أصبحت الحاجة ملحة لنظام يعالج قضايا تعثر الشركات أو التجار. وفي عام 1416 هـ استدركت الدولة أهمية الأمر، فقامت بنشر نظام الصلح الواقي من الإفلاس. حيث إن فلسفة النظام تقوم على تجنيب التاجر أو الشركة المتعثرة ماليآ من إعلان الإفلاس، والتمكين من مواصلة النشاط وعدم الانهيار والحفاظ على استقرار المعاملات وتمتين الاقتصاد الوطني وذلك بامتصاص الهزات التي يتعرض لها التجار في أعمالهم. ومن مرونة نظام الصلح الواقي من الإفلاس، أنه أعطى الشركة أو التاجر حق الاختيار في إبرام الصلح إما من خلال الغرف التجارية بوزارة التجارة أو الدوائر التجارية في ديوان المظالم. إن سياسة التخويف والتصريحات السلبية من بعض المسؤولين للقطاع الخاص نتائجها سلبيه، وسياسة الدعم والمساندة والتشجيع والمساعدة لحل بعض العقبات بما فيها التمويل سوف تسهم في تحقيق نتائج أفضل من الترهيب لمستقبل القطاع الخاص. ويمكن حل بعض مشاكل الإفلاس من خلال دعم الصناديق الحكومية أو دمج بعض الشركات المتعثرة مع شركات حكومية تشابهها قطاعياً، ودعمآ لرؤية المملكة 2030، وأهمية تنظيم مسائل إفلاس الشركات وتعثرها أدركت وزارة التجارة أهمية هذا الموضوع التي قامت بإعداد نظام إفلاس الشركات الذي يعالج قضايا الإفلاس والتعثر، وقد تميزت الدراسة بالمقارنة بين دول متقدمة في هذا الشأن، والبدء من حيث انتهى الآخرون، والمعالجة لأبرز المسائل الجوهرية لإفلاس الشركات وتعثرها. وهذا النظام بعد صدوره، يحتاج جهوداً لتطبيقه على أرض الواقع؛ من ذلك تثقيف مجتمع الشركات بأهميته من خلال إقامة ورش عمل، وتدريب وتأهيل القضاة عليه، وغيرها، والملاحظ أن النظام يخلط بين المتعثر والمفلس وهذا خطأ كبير، فهناك فرقا كبيرا بين المتعثر والمفلس الذي أشهر إفلاسه، أما المتعثر فهو من يكون على حافة الإفلاس، أنه لا يجوز تشكيل لجنة للإفلاس والموضوع منظور أمام القضاء، كما أن النظام لم يعالج رد الاعتبار للمفلس الذي فقد ثقة المتعاملين معه، كما أن النظام لم يعالج الضمانات المتوافرة لدى الدائنين بشكل كاف.

 

إعادة الهيكلة الإدارية تعتبر جزءاً متمماً لإعادة الهيكلة المالية، ورغم أن إعادة الهيكلة الإدارية بعيدة نسبياً عن إعادة الهيكلة المالية مما يدفعنا لعدم التوسع فيها، ولكننا نختصر في أن ذلك يمكن أن يتم بواحدة أو أكثر مما يلي: إعادة دراسة استراتيجيات الإنتاج بغرض تحسين الإنتاج وخفض تكاليفه. إعادة دراسة استراتيجيات التسويق لزيادة الفاعلية التسويقية وخفض تكاليف التسويق. إعادة دراسة سياسات الأفراد لزيادة فاعليتها وخفض تكاليف عنصر العمل. زيادة المبيعات لخفض نصيب الوحدة من التكاليف الثابتة مما يخفض التكاليف الكلية. وتتم إعادة الهيكلة عبر 5 طرق رئيسية، وهي عملية يقصد بها إعطاء نفس جديد لمالية الشركة المدينة، أي تغيير تواريخ استحقاق الدين وتأجيل السداد، حيث تقرر الجهات الدائنة منح الشركة المدينة آجالا إضافية. وبهذه الطريقة يمكن للجهات الدائنة أن تحصل على أموالها بدلاً من التوقف النهائي للشركة المدينة عن الدفع، وفي الوقت نفسه تستفيد الشركة المدينة من فترة التأجيل لترتيب أوضاعها المالية والتجارية، وأهمها معالجة العجز المالي الذي هو سبب اللجوء إلى التمويل الخارجي ثم الوقوع في الدين، وحتى تكون إعادة الهيكلة فاعلة، فإنه يجب ألا تقتصر على إعادة الهيكلة المالية، ولكن يجب أن تمتد لتشمل إعادة الهيكلة الإدارية؛ حتى يتلازم الاثنان معاً في تحقيق نتائج فاعلة للتغلب على الخلل المالي. وتنقسم إعادة الهيكلة إلى عدة أنواع أهمها:

إعادة تقييم الأصول جميعها أو بعضها بما يعكس قيمتها السوقية، حيث إن زيادة هذه القيمة عن القيمة الدفترية يؤدي إلى تحسين نسبة المديونية بالنسبة لحقوق الملكية، الأمر الذي يتيح للمنظمة مجالاً أوسع للاقتراض. ومن الأمور الجيدة أيضاً أن تتفاهم مع دائنيها على أحد أو بعض هذه الأمور: تحويل الديون القصيرة إلى ديون طويلة الأجل، مما يتيح للمنظمة فترة أطول لاستثمار هذه الديون. وقف سداد أقساط الدين مؤقتاً أو إعطاء فترة سماح جديدة، ويساعد ذلك في وقف جزء من التدفقات النقدية الخارجية مؤقتاً لحين تحسن الأحوال. تخفيض سعر الفائدة أو التنازل عن الفوائد المستحقة. مبادلة المديونية بالملكية: في هذه الحال يتم تحويل كل أو جزء من الديون الحالية إلى مساهمات في رأس مال الشركة عن طريق إصدار أسهم ملكية بما يعادل قيمة هذه الديون، وهذا يتوقف على مدى تفهم وتقبل الدائن لهذا الاقتراح، وكذلك الملاك، حيث سيكون للملاك الجدد تأثير مباشر على إدارة الشركة والتصويت والانتخاب.

 

وقد تلجأ الشركات إلى إصدار أسهم جديدة لتوفير بعض السيولة وعلى الأخص إذا كانت المنظمة أو هذه الشركة تستطيع تحقيق أرباح مستقبلا في ضوء توفير السيولة، وذلك عن طريق زيادة رأس مال الشركة بإصدارات سهمية جديدة، ولكن يواجه هذا البديل بعض الانتقادات منها: لا يصلح هذا الحل إلا في حالات الفشل المالي أو التعثر المؤقت. لا تجد الأسهم الجديدة إقبالاً من قبل المساهمين لخوفهم من حالة الشركة وظروفها المستقبلية. إن حملة الأسهم يمثلون قيداً جديداً على الإدارة يقلل من قدرتها على التحرك بمرونة كافية للخروج بالشركة من ظروفها الحالية. ومن الأمور الجيدة أيضاً زيادة التدفقات النقدية الداخلة ويمكن تحقيق ذلك من خلال العديد من الاستراتيچيات أو التصرفات المطلوبة التي تؤثر إيجاباً على النقدية الداخلة، ومن ذلك (على سبيل المثال): زيادة المبيعات لزيادة إيرادات الشركة. تغيير استراتيجيات التحصيل لديون الشركة ومنح بعض خصومات تعجيل الدفع. التخلص من المخزون الراكد كالبيع بالمزاد أو بالقسط أو مبادلته بآخر تحتاج إليه المنظمة. بيع الأصول قليلة أو منعدمة القيمة كالخردة والعادم والتالف والمعيب. بيع وإعادة استئجار بعض الأصول غير الرئيسة (الثانوية).

 

تستطيع المنظمة أيضاً أن تخفض مدفوعاتها النقدية أو تؤجل بعضها للتغلب على بعض الصعوبات المالية. ومن الوسائل الممكن استخدامها في ذلك: الاتفاق مع الدائنين على تأجيل سداد بعض الأقساط وفوائد الدين. التفاوض مع الموردين للمواد الخام والأجزاء على الشراء بالتقسيط أو بالائتمان أو بدون مقدم. الحصول على فترات سماح جديدة من الدائنين. ترشيد بنود الإنفاق المباشر وغير المباشر. تأجيل سداد الالتزامات قصيرة الأجل أو تحويلها إلى التزامات طويلة الأجل. خفض كمية المشتريات عن طريق الشراء الفوري بدلاً من الشراء المقدم، ومحاولة البحث عن مواد بديلة أقل تكلفة من المواد الحالية.

 

ختاماً؛ أتمنى أن يتبنى القانون قواعد جديدة لحماية الشركات من الإفلاس، ومساعدتها على إعادة الهيكلة، بدلاً من تصفية ممتلكات الأطراف التي تواجه مشكلات مالية وبيع أصولها بأسعار متدنية مع سرعة البت في الإجراءات، والتخفيف من الأعباء المطلوبة لتقديم طلب الصلح الواقي الذي يتيح للطرف المدين إعادة هيكلة أعماله بمقتضى خطة صلح واقٍ من الإفلاس مع دائنيه تحت إشراف الجهات المعنية.

قراءة 1385 مرات آخر تعديل في الإثنين, 13 يونيو 2022 11:19
سجل الدخول لتتمكن من التعليق

 

في المحاسبين العرب، نتجاوز الأرقام لتقديم آخر الأخبار والتحليلات والمواد العلمية وفرص العمل للمحاسبين في الوطن العربي، وتعزيز مجتمع مستنير ومشارك في قطاع المحاسبة والمراجعة والضرائب.

النشرة البريدية

إشترك في قوائمنا البريدية ليصلك كل جديد و لتكون على إطلاع بكل جديد في عالم المحاسبة

X

محظور

جميع النصوص و الصور محمية بحقوق الملكية الفكرية و لا نسمح بالنسخ الغير مرخص

We use cookies to improve our website. By continuing to use this website, you are giving consent to cookies being used. More details…