لم يتوقف الجدل القائم بين الأطراف كافة، حول رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى 15 في المائة، والمقرر البدء في تطبيقها مع مطلع الشهر المقبل، التي جاء إقرارها أخيرا من وزارة المالية لمواجهة تداعيات انتشار الجائحة العالمية فيروس كورونا كوفيد - 19، مستهدفة رفع الإيرادات غير النفطية لتعويض الانخفاض الطارئ على الإيرادات النفطية، بما يؤهل الميزانية العامة للدولة للوفاء بالمتطلبات المالية على كاهلها، دون السماح لحجم العجز المالي للعام المالي الراهن أن يتجاوز الحدود المستهدفة، ودون السماح أيضا لحجم الدين العام بتجاوزه المستويات المستهدفة له. وقد اقترنت تلك الزيادة في نسبة ضريبة القيمة المضافة بعديد من الإجراءات المالية، كوقف الإنفاق على بعض البنود الممكن تأجيل الإنفاق عليها، ووقف صرف بدل غلاء المعيشة.
وبالنظر إلى أعلى العوائد المسجلة لإيرادات الضرائب على السلع والخدمات خلال الفترات الماضية، تظهر بيانات المالية العامة أنها كانت خلال العام المالي الماضي 2019، حيث وصلت إلى نحو 146.8 مليار ريال، أي بلغت 15.8 في المائة من إجمالي الإيرادات الحكومية، ووفقا لما أوضحه وزير المالية في تصريحه الخاص بالإعلان عن الزيادة المرتقبة في ضريبة القيمة المضافة، ورفعها إلى 15 في المائة لا يتوقع أن تأتي الإيرادات الإضافية المتوقعة مرتفعة بالنسبة نفسها أو حتى قريبا منها، وذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية الراهنة، التي تتسم بكثير من التحديات على كاهل الاقتصاد الوطني عموما، وعلى كاهل القطاع الخاص على وجه الخصوص.
في المقابل، لا شك أن العبء على كاهل منشآت القطاع الخاص، سيأتي أكبر مما سبق خلال الأعوام الماضية، وكما هو معلوم أن القطاع الخاص يمثل في أغلبه الجزء المنتج من الاقتصاد الوطني، كما يمثل القطاع الموظف للعمالة الوطنية بما يتجاوز 1.7 مليون عامل "الربع الأول 2020"، عدا توظيفه لنحو 6.7 مليون من العمالة الوافدة، ما يعني بدوره أن أي انكماش في التدفقات الداخلة على القطاع كما هو متوقع، سينتقل أثره مباشرة وفورا إلى إنتاجية القطاع، ومن ثم الاقتصاد الوطني بالانخفاض، وسيؤدي أيضا إلى انخفاض قدرة القطاع الخاص على توظيف العمالة الوطنية والوافدة على حد سواء، ما سيترتب عليه الكثير من التحديات الجسيمة، التي من أبرزها احتمالات أن يرتفع أعداد الفاقدين لوظائفهم من المواطنين والمواطنات، وضعف أكبر في إيجاد مزيد من الوظائف أمام الباحثين عنها الآن، وكلا الأمرين من شأنه أن يساهم في ارتفاع معدل البطالة.
ومن جانب آخر، سيؤدي انخفاض الشريحة العاملة، سواء من المواطنين أو المقيمة "المتوقع الاستغناء عن أعداد كبيرة منهم خلال الفترة الراهنة"، إلى انكماش الإنفاق الاستهلاكي والطلب المحلي على السلع والخدمات في السوق المحلية، وعدا تأثيره السلبي في النمو الاقتصادي، فإنه يحمل في طياته كثيرا من التحديات مستقبلا، التي تمتد إلى زيادة حالات تعثر المقترضين بنكيا استهلاكيا أو عقاريا من الأفراد الفاقدين لوظائفهم، وتمتد أيضا نتيجة لانخفاض الإنفاق الاستهلاكي خلال الفترة الراهنة، لزيادة الضغوط مستقبلا على القطاع الخاص ما قد يضطره إلى اتخاذ مزيد من عمليات الاستغناء عن العمالة لديه "مواطنين، ومقيمين"، والمؤكد أن كل تلك التطورات تحمل معها كثيرا من التحديات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ما يدعو إلى التفكير في إيجاد مزيد من البدائل الأخرى الأدنى تكلفة على الاقتصاد الوطني.
من تلك البدائل المتاحة خلال الفترة الراهنة أمام المالية العامة، التي تتمتع بوجود عوائد مالية مباشرة عالية جدا لها، يتفوق كثير على العوائد المحتملة من رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة، إضافة إلى تمتعها بالقدر العالي من عوائد أخرى غير مباشرة واسعة النطاق وذات آثار حميدة جدا على الاقتصاد الوطني والقطاع الخاص تحديدا، إضافة إلى أفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين.
تتمثل تلك البدائل في تطبيق جميع المراحل الأربع التنفيذية لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء، وأن يشمل ذلك التطبيق أكبر 30 مدينة من حيث عدد السكان في المملكة، وتمثل تلك الأراضي البيضاء بمساحاتها الشاسعة جدا القطاع غير المنتج اقتصاديا، وأيضا القطاع غير الموظف لأي قدر من العمالة من مواطنين أو مقيمين، ولا تتجاوز كونها مجرد أراض تقع تماما خارج دائرة الانتفاع والاستخدام بكل أشكاله التنموية والاقتصادية والمجتمعية، فيما تنحصر فائدتها فقط من خلال التضخم المستمر لأسعارها على ملاكها، مقابل تحولها، وفقا لذلك إلى أحد أكبر مغذيات التضخم محليا في اتجاه تكلفة الإنتاج والتشغيل، وفي اتجاه ارتفاع تكلفة المعيشة على الأفراد والأسر كافة، وهو ما أثبتته التجربة المحلية لدينا طوال أكثر من عقدين ماضيين من الزمن.
تشير أكثر التقديرات تحفظا إلى أننا بمواجهة وعاء ضريبي، تناهز تقديرات قيمته السوقية سقف الـ11 تريليون ريال "أي 3.7 ضعف حجم الاقتصاد الوطني بأكمله"، ووفقا للنسبة الراهنة للرسوم على الأراضي البيضاء البالغة 2.5 في المائة من القيمة السوقية للأرض، يقدر أن تصل العوائد المحتملة خلال العام الأول نحو 275 مليار ريال "أي 1.9 ضعف إيرادات ضرائب السلع والخدمات 2019"، ما يعني في حقيقته الوصول إلى بديل مالي عملاق، سيكون لجني عوائده كثير من الفوائد على المالية العامة، وفي الوقت ذاته تحمل عوائده غير المباشرة فوائد أكبر على الاقتصاد الوطني والقطاع الخاص والمجتمع بكل شرائحه، وهو ما سيتم التوسع في ذكرها في المقال القادم، بمشيئة الله تعالى.
نقلا عن الاقتصادية
قراءة 1096 مرات
آخر تعديل في الأحد, 12 يونيو 2022 09:43
في المحاسبين العرب، نتجاوز الأرقام لتقديم آخر الأخبار والتحليلات والمواد العلمية وفرص العمل للمحاسبين في الوطن العربي، وتعزيز مجتمع مستنير ومشارك في قطاع المحاسبة والمراجعة والضرائب.