انتهت أعمال منتدى المحاسبين بنهاية الأسبوع الماضي، وكان حجم الحضور والمشاركين أكبر مفاجآت المنتدى، فالمهنيون المسجلون في سجلات الهيئة يبلغ عددهم قريبا من 1000 عضو بينما الممارسون للمهنة لم يتجاوزوا 400 عضو فقط، فمن أين أتى أكثر من 16 ألف مشارك في المنتدى؟ ولماذا أتت أقسام المحاسبة بقضها وقضيضها؟ ولماذا اختفت المكاتب والشركات المهنية؟ الإجابة عن هذا السؤال ليست صعبة، فالظاهر تماما لا يخرج عن أمرين: الأول إن الذين حضروا كانوا من غير المنتمين لهذه المهنة، وإذا كانت الإجابة بنعم فمن هم ولماذا حضروا؟ الثاني: إن المنتمين لهذه المهنة أكثر بكثير من 1000 عضو، وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها خاصة أن هناك 170 ألف محاسب في المهنة بينما السعوديون لم يزالوا أقل من 20 في المائة، وإذا كانت الحال هذه فلماذا تم احتكار المهنة في 1000 عضو فقط لهم حق انتخاب أعضاء مجلس الإدارة، بينما هناك أكثر من 30 ألفا آخرين لم يتم الاعتراف بهم؟ لكن الإجابة التي أراها صحيحة هي أن الأمر بين هذا وذاك. فمهنة المحاسبة والمراجعة أكبر بكثير من حصرها في المهنيين المتفرغين لها، بل هي أعرض من ذلك، سواء من الأكاديميين "الممنوعين من ممارسة المهنة" أو من المحاسبين الحكوميين أو الماليين أو المحليين أو غيرهم كثير، وأقسام المحاسبة تستهدف في مقرراتها قطاعات أكبر من مجرد مكاتب المحاسبة والمراجعة "ولهذا من الخطورة بمكان أن تنفرد هيئة المحاسبين بمناقشة هيئة التقويم الأكاديمي"، كما أن مشكلة ضعف الإقبال على الرخصة المهنية يعود لمشكلة في الرخصة نفسها ومدى الجدوى الاقتصادية لمن يحصلون عليها، وما تسعى إليه الهيئة وما صرحت به فعلا من عملها على مشروع إطلاق رخصة فنية هو أمر غير مناسب إطلاقا ويتنافى تماما مع الممارسات المهنية العالمية وسيتسبب في خلط للمفاهيم والشهادات المهنية المعترف بها عالميا. ولن تجد هذه الشهادة مكانا للإعراب سوى زيادة إيرادات الهيئة.
السبب الثاني الذي جعل أعداد المشاركين تتضخم هو الخلط الصريح جدا بين مهنتي المحاسب القانوني والمراجع الداخلي خلطا تسبب في دخول منتدى المحاسبين في مناقشة قضايا المراجعة الداخلية وإفراده لها محورا وإعلان دورات تدريبية وورش عمل، بينما حقيقة الأمر أنه ليس لهيئة المحاسبين علاقة بالمراجعة الداخلية لا من قريب ولا من بعيد، بل إن المعهد الدولي للمراجعين الداخليين يرفض هذا التدخل ويعده خدشا للاستقلال ويرفض عضوية أي هيئة أو لجنة للمحاسبين من التأثير في مهنة المراجعة الداخلية أو معاييرها أو مناهج تدريبها، هذا النهي ورد أكثر من مرة من المعهد الدولي للمراجعين الداخليين وهو أعلى جهة عالمية مسؤولة عن تنظيم هذه المهنة العريضة، وأقول عريضة لأنها أكبر بكثير من أن تحتويها المحاسبة القانونية بأي صورة أو شكل، ولهذا فإن الحضور الكبير الذي شهده المنتدى كان بسبب إضافي وهو حضور المراجعين الداخليين وأقول هو حضور مأسوف عليه، ولم يكن لائقا بهم ولا بمهنتهم، وعندما أقول ذلك فإنني أضع اللوم الكبير على الجمعية السعودية للمراجعين الداخليين في هذا الخلط وأعتب كثيرا على الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين ما فعلته.
المسألة ليست محاصصة، وليست منافسة بل هي احترام لمفهوم الاستقلال المهني، احترام نقوم بتعليمه للطلاب والمتدربين، وألا يتم اختطاف مهنة بعرض وشمولية المراجعة الداخلية تحت عباءة مهنة أخرى منفصلة حجما وروحا. فالمراجعة الداخلية ليست مثل المراجعة الخارجية، ولو تطابقت الأسماء نوعا ما، وهذا الخلط الذي تتسبب فيه الهيئة السعودية للمراجعين الداخليين هو الذي يصعب على المراجعين الداخليين ممارسة مهنتهم بشكلها الصحيح، فكثير من الأجهزة الحكومية والشركات لدينا لم تزل تعتقد أن المراجعة الداخلية محصورة في أعمال المالية والمحاسبة، وليس لها أي دور آخر، بل إن بعض الإدارات يرفض صراحة أن يكون موضعا للمراجعة ويقول ليس لدينا أي معاملات مالية، ومن يقول هذا الحديث سيجد دعما لا محدودا عندما يجد الهيئة السعودية للمحاسبين تضع دورة تدريبية للمراجعة الداخلية وتضع محورا صغيرا جدا لها ضمن ملفاتها، ثم يجد المراجعين الداخليين يتهافتون عليها مع الأسف. المراجعة الداخلية لا تشمل المحاسبين فقط بل هي أعرض بكثير من ذلك، فخريجو إدارة الأعمال والهندسة والطب والتعليم وغيرها قادرون على الانضمام لهذه المهنة وأن يصبحوا أعضاء فيها بل ينافسون بقوة على عضوية مجلس الإدارة ويصبحون أعضاء في المعهد الدولي نفسه ولجانه، فهل عندما تطلق هيئة المحاسبين مؤتمرا وتضع هذه المهنة ضمن محور صغير فيه سيعتقد المهتمون بالمراجعة الداخلية من غير المحاسبين أنهم معنيون بالأمر؟ وهل سيكون حضورهم فيما لو حضروا لأنهم ينتمون للمراجعة الداخلية الأكبر والأعرض؟ وهل هو السبب الفعلي لارتفاع عدد المشاركين في المنتدى إلى أكثر من 16 ألفا؟
أتمنى أن تكون الصورة واضحة وعادلة بما يكفي فالمشكلات التي تواجه مهنة المحاسبة وكان يناقشها المنتدى ليست من شأن المراجعين الداخليين في شيء، فما علاقة مهندس يعمل مراجعا داخليا في شأن اختبارات SOCPAأو حتى مناقشتها أو حتى مناهج أقسام المحاسبة، ولقد ناقشت في فترات ماضية ضرورة تخلي هيئة المحاسبة عن تدريب مواد المراجعة الداخلية للسبب ذاته، لكن تم فهم حديثي حينها أنه إخلال بحق المنافسة ورغبة في تعظيم إيرادات جمعية المراجعين الداخليين والمسألة ليست هكذا لا من قريب ولا من بعيد، بل هي الاستقلال المهني والاحتراف في العمل، فبقاء هذه المهنة بأي صورة أو شكل من الأشكال تحت تأثير هيئة المحاسبين هو إضرار بها، ولو كان هذا يحقق بعض الإيرادات أو الزخم كما حصل في منتدى المحاسبين.
نقلا عن الاقتصادية
قراءة 2106 مرات
آخر تعديل في الأحد, 19 يونيو 2022 12:11
في المحاسبين العرب، نتجاوز الأرقام لتقديم آخر الأخبار والتحليلات والمواد العلمية وفرص العمل للمحاسبين في الوطن العربي، وتعزيز مجتمع مستنير ومشارك في قطاع المحاسبة والمراجعة والضرائب.