تبحث الدول دائما عن مصادر للإيرادات. تدعم هذه الإيرادات، الإنفاق الحكومي لتحقيق الخدمات للمواطن. ولأعوام عديدة، كانت إيرادات السعودية تعتمد على بيع النفط. بينما الدول الأخرى، فإن المصدر الرئيس لإيرادات الحكومات هو الضرائب. فهناك أنواع عدة من الضرائب، يتم فرضها لزيادة إيرادات الدول. وعلى الرغم من الاختلافات بين الدول في الهيكل الضريبي، إلا أن معظمها يعتمد على ثلاثة أنواع رئيسة، تعد مصادر للإيرادات الضريبية، وهي: ضرائب دخل الأفراد والشركات، ومساهمات الضمان الاجتماعي، والضرائب على السلع والخدمات، "ضرائب القيمة المضافة".
وتشير الأدلة التي تمت مراجعتها في الدراسات الاقتصادية عن "علاقة هيكل الضرائب والنمو الاقتصادي"، إلى كون ضرائب الاستهلاك "ضرائب القيمة المضافة"، هي الأداة الضريبية الأقل تأثيرا من حيث تخفيض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي على المدى الطويل، تليها ضرائب الدخل الشخصي وضرائب دخل الشركات. فضريبة الدخل هي التي يدفعها الأفراد على دخلهم. وتمثل ضريبة الدخل عنصرا رئيسا في معظم الدول، وتختلف النسب من دولة إلى أخرى نظير الخدمات التي توفرها تلك الدول لمواطنيها. تحتل الدول الأوروبية الصدارة في فرض الضرائب، حيث تصل في بعضها إلى 50 في المائة، اعتمادا على مستوى الدخل. وكلما كسب الفرد أكثر، يدفع أكثر في الضرائب الشخصية. يشار إلى هذا عادة باسم نظام الضرائب الهامشية. أما ضريبة القيمة المضافة، فيشير كثيرون إلى هذا النوع من الضرائب باعتباره ضريبة "عادلة"، نظرا إلى حقيقة أنها تدفع فقط على الاستهلاك، أي إذا لم ينفق الشخص، فلن يدفع الضريبة. سيتم تحصيل ضريبة القيمة المضافة من قبل الشركات، وبالتالي، سيتم تمرير ضريبة القيمة المضافة، التي يتم جمعها من المستهلكين، إلى الحكومة. الشركة نفسها التي تبيع السلعة، لن تدفع ضريبة القيمة المضافة.
و بدأت المملكة بفرض ضريبة القيمة المضافة في 2018، بنسبة 5 في المائة، وهي واحدة من أدنى، إن لم تكن أدنى، ضرائب القيمة المضافة في العالم. إن ارتفاع الضريبة إلى 15 في المائة أتى نتيجة ظروف غير عادية تمر بالعالم كله. في المملكة، يعتمد تحديد قيمة الضريبة على النمو الاقتصادي، وأسعار النفط المستقبلية، وما ستحتاج إليه الحكومة لتمويل ميزانية الإنفاق، حيث شرعت الحكومة السعودية في عديد من المشاريع المهمة، التي ستدعم النمو والتنمية. ونظرا إلى تذبذب أسعار النفط، فإن "رؤية 2030"، تعتمد على التحول عن النفط، والاعتماد على مصادر دخل بديلة للحفاظ على مستوى المعيشة والتطور المستمر.
يدرك المجتمع السعودي جيدا ما مر على الاقتصاد نتيجة الإقفال إلى ما يزيد على أربعة أشهر بسبب جائحة كورونا وما عم الاقتصاد العالمي وليس السعودي فقط، من انكماش، إضافة إلى الانخفاض الأخير في أسعار النفط، نتيجة انخفاض الطلب العالمي بسبب توقف قطاع النقل على المستوى العالمي. إذا نظر المرء إلى أهداف رؤية المملكة 2030، فسيلاحظ أن الهدف الرئيس للحكومة ليس فقط الحفاظ على مستوى المعيشة المرتفع في البلاد، بل الاعتماد بشكل أقل على عائدات النفط، وتطوير القطاعات الأخرى من صناعة وزراعة وتعدين وترفيه وسياحة وغيرها، ونقل البنية التحتية إلى أفضل مستوى، وتوفير أعلى مستوى في التعليم والصحة والخدمات الأخرى. إن تطبيق الضرائب لا يحظى بشعبية لدى المستهلكين، لكنه ضرورة أساسية لدعم اقتصاد الدولة، فتوفير البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية والدفاع والشرطة، من بين أمور أخرى، مؤشر على اقتصاد سليم وميسور الحال، سيجذب في نهاية المطاف مزيدا من المستثمرين الأجانب، فهذا هو جوهر "رؤية 2030". سيؤدي ذلك كله إلى إيجاد مزيد من فرص العمل، لتنعم السعودية بجيل شاب متعلم أفضل تعليم. ويجب أن يوفر الاقتصاد فرص العمل لهؤلاء الشباب، وهذا ما لاحظناه في تناقص نسبة البطالة إلى 11.8 خلال الربع الأول من 2020، وما قامت به الدولة من سياسات تحفيزية للاقتصاد وللوظائف، وتوفير رعاية صحية على أعلى مستوى خلال الأزمة، ما أدى إلى خفض تداعيات الأزمة مقارنة بالدول الأخرى.
ويلاحظ أن بعض الدول الأوروبية قامت بخفض ضريبة القيمة المضافة على قطاع السياحة فقط، وذلك لتشجيع ذلك القطاع لاعتمادها اعتمادا رئيسا على إيراداته، لأنه من أكثر القطاعات التي تضررت نتيجة توقف الطيران والتنقل بين الدول خلال جائحة كورونا.
قراءة 1421 مرات
آخر تعديل في الأحد, 12 يونيو 2022 09:27
في المحاسبين العرب، نتجاوز الأرقام لتقديم آخر الأخبار والتحليلات والمواد العلمية وفرص العمل للمحاسبين في الوطن العربي، وتعزيز مجتمع مستنير ومشارك في قطاع المحاسبة والمراجعة والضرائب.