في 24 أيار 2017 وبأقل من دقيقة، قرر مجلس الوزراء الذي انعقد برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، التمديد لرياض سلامة ست سنوات جديدة، حاكماً لمصرف لبنان. حينها لم يعترض أي وزير، أو أي جهة سياسية على ذلك وفوّض الجميع لسلامة قرار رسم السياسة المالية لعهد الرئيس ميشال عون.
لم يغير رياض سلامة منذ أيار 2017 حتى اليوم أياً من سياسته المالية. لم يتغير أصلاً منذ تعيينه في العام 1993. لطالما كانت علاقاته الدولية “معروفة – مكشوفة”، وهو كان ولا يزال صاحب “الهندسات المالية”، وركناً اساسياً من أركان السياسة المالية لثلاثين سنة خلت. ولكي يكون كبش الفداء باسم “المنظومة الحاكمة”، حاول مجلس الوزراء في جلسة يوم الجمعة الماضي، تطيير سلامة، وإلباسه كل مصائب لبنان المالية. سقطت المحاولة السياسية المغلفة بحجة مالية، وقررت الحكومة الاستعانة بثلاث شركات دولية لتدقيق حسابات المصرف المركزي. وبات اللبنانيون ينتظرون أن يعطي مجلس الوزراء الضوء الاخضر، للبدء بتدقيق حسابات المركزي، والتعاقد مع هذه الشركات التي يتوقع ان تكلف بالمهمة رسمياً، وهي KPMGوOliver WymanوKroll.
تمتلك هذه الشركات باعاً طويلاً في اعمال التدقيق والمحاسبة، فالأولى هي إحدى مؤسسات المحاسبة “الأربع الكبرى”، والثانية من اهم شركات الاستشارات الادارية، والثالثة متخصصة في التحقيقات.
هذه الشركات، ستضاف الى الشركتين الدوليتين “Deloitte” و”Ernest and Young” اللتان تتوليان حالياً مهام التدقيق في حسابات المصرف المركزي منذ سنوات طويلة، إضافة الى مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان. لكن لماذا شركات إضافية للتدقيق، وما الهدف من ذلك؟
يفند المدير السابق للمحاسبة في وزارة المال الدكتور أمين صالح، عمل الشركات الدولية الثلاث ويدرجها في خانات، التدقيق المالي والتنظيم النقدي وتنظيم التحويلات. ويلفت لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، الى أنه من الضروري أن تحدد الحكومة شروطها وحاجتها لهذه الشركات. “ماذا تريد الحكومة من التدقيق، وما هي السنوات التي سيطاولها هذا التدقيق، وهل سيشمل الشق القانوني او المحاسبة العادية فقط؟”.
ويشير صالح الى أنه من الضروري معرفة تفاصيل التدقيق على اساس الشركة أيضاً، كفريق العمل وخبراته، وجنسيته، وانتقالاته، مؤكداً أنه بناء على هذا النوع من التفاصيل يتم تحديد بدل الاتعاب. وإذ يرفض الدخول في الأرقام قبل معرفة التفاصيل، يضيف، “مما لا شك فيه أن التعاون مع شركات أجنبية يرتب عادة مبالغ مالية ضخمة، قد تكون بالملايين”.
بدوره، يعتبر الخبير الاقتصادي دان قزي، أن الحكومة تريد الغوص أكثر في أرقام مصرف لبنان وحساباته، لأنه بنظرها، هناك تفاصيل غير واضحة، وبالتالي هي بحاجة الى forising accountant، أو “التدقيق على التدقيق”، وهذه العملية لا يمكن وضعها في خانة المحاسبة العادية، هي محاسبة التشريح التي تبحث عن الأخطاء في الأرقام فتشّرحها لمعرفة ما إذا كان قد لحق بهذه الحسابات أمور غير طبيعية.
ويذكر في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، بأن مصرف لبنان لم يكن ينشر في تقاريره التي كانت تصدر كل أسبوعين، بعض حساباته، كمدخوله مثلاً او الـIncome statementوالـCasual statement.
ويتحدث قزي عن جدوى الشركات الاستشارية في هذه المرحلة، منوهاً بأهمية الاستعانة بها، كما حصل مع المستشارين المالي لازارد، والقانوني كليري غوتليب، لمساعدة الحكومة بشأن السندات الدولية وإعادة هيكلة الدين العام، مشدداً على أن العبرة تبقى بالتنفيذ. يضيف، “تم تشخيص المشكلة بغض النظر عن الحل، وإذا دفع لبنان 20 مليون استشارات، وتمكن من توفير ما يقارب الـ31 مليار دولار، فهذا أمر جيد”.
قد لا تكون الملايين هامة حقاً إذا تمكنت الشركات من اتمام مهمة التدقيق بميزانية مصرف لبنان لمعرفة حقيقة الموجودات والخسائر، والاموال التي سحبت من النظام. فهل سيسمع اللبنانيون خبراً مجدياً يعيد بعض الأمل الى مدخراتهم؟
في المحاسبين العرب، نتجاوز الأرقام لتقديم آخر الأخبار والتحليلات والمواد العلمية وفرص العمل للمحاسبين في الوطن العربي، وتعزيز مجتمع مستنير ومشارك في قطاع المحاسبة والمراجعة والضرائب.