كاتب المقالة : محمد قيس القنبري
مثل التنمر في مكان العمل Workplace bullying أو التنمر الوظيفي شكلاً من أشكال سوء المعاملة بين الأشخاص في بيئة العمل، يعرفه معهد التنمر في مكان العمل Workplace Bullying Institute (WBI) بأنه "سلوك مسىء يهدد زملاء العمل أو يهينهم أو يخيفهم"، ويشمل التنمر في مكان العمل العديد من السلوكيات والتصرفات التي قد تكون لفظية أو جسدية مباشرة أو غير مباشرة، فعلى سبيل المثال لا الحصر قد يتعرض الموظفين إلى الترهيب والتهديد والنقد الهدام والدائم والاعتداء والاستهزاء بطريقتهم وقناعاتهم ومظهرهم والتحرش الجنسي بهم، والشائعات والإهانات والشتائم، والصراخ وسوء المعاملة، واستخدام كلمات مهينة، والمزاح غير المناسب، ومنع من الترقية دون مبرر منطقي ومقنع، والإشراف المتعجرف، وتهميش الموظف والتقليل من عمله، وتكليفه بمهام تفوق طاقته، وعدم إعطائه مساحة كافية من الحرية لتقديم الأفضل وما إلى ذلك من سلوكيات، كما أن التنمر في مكان العمل لا يكون من زملاء الموظف فحسب حيث تشير الدراسات العلمية حول التنمر أن ما نسبته 61% من المتنمرين يشغلون مناصب إدارية في الشركات، وهذه النسبة كفيلة بدق ناقوس خطر ينذر لمشكلة تهدد بيئة العمل.
لا شك أن التنمر في مكان العمل يؤثر على أداء الموظفين ويقلل من إنتاجيتهم نتيجة السلوكيات التي يتعرضون لها والتي تؤثر في اتخاذهم للقرارات السليمة وفي تركيزهم واحترام لذاتهم، ولا يتوقف الأمر عند فقدان الدافع للعمل بل ضياع الوقت اللازم للعمل لأنهم مشغولون بتجنب التنمر والتخطيط لكيفية التعامل مع الموقف ومحاولة الدفاع عن أنفسهم وقد يصل بهم الأمر إلى تناول أدوية للتغلب على الآثار ومحاولة نسيان الموقف كمضادات الاكتئاب والمهدئات والحبوب المنومة وقد يفكر الموظف في الانتحار كحل نهائي.
وللتنمر في مكان العمل تأثيراً على أرباب العمل أيضاً وليس فقط ضحايا التنمر وزملائهم الذين يشاهدونها، فبالإضافة إلى الإخلال ببيئة العمل والتأثير على معنويات الموظف يمكن أن يؤدي التنمر إلى تقليل الإنتاجية وزيادة الغياب وقضايا قانونية مكلفة ومحرجة وبالتالي زيادة مخاطر الإجراءات القانونية، بالإضافة إلى ضعف ولاء الموظف والتزامه، وقيامه بالدعاية السيئة ونشر صورة عامة سيئة عن الشركة وتكبد الشركة تكاليف إضافي لتوظيف وتدريب موظفين جدد نتيجة زيادة معدل دوران الموظفين.
يتصدر الموظفون قائمة الأصول الأكثر قيمة للشركة ومع ذلك تظل عمليات حماية الموظفين أقل اهتماماً وعرضة للمراجعة الداخلية مقارنة بالبنود الأخرى مثل المخزون والأصول الثابتة والمدينون والمصروفات النثرية والمستحقات وغيرها، لذا يجب أن تكون المخاطر التي يتعرض لها هؤلاء الموظفين من بين أعلى المخاطر اهتماماً من قبل إدارة المراجعة الداخلية عند وضع برنامج المراجعة المبني على المخاطر، فللمراجعين الداخليين الذين يمكنهم إلقاء الضوء على هذه المخاطر وكيفية التحكم فيها بشكل جيد نصيباً من دعم وتقدير الإدارة.
يعتبر هذا النوع من التنمر صعباً للغاية، لأنه غالباً ما يحدث داخل قواعد الشركة وسياستها وقد لا تتعارض بعض سلوكيات المتنمر مع التشريعات القانونية وقواعد العمل، ولكنها تؤثر بشكل كبير على بيئة العمل والروح المعنوية للموظفين، مما ينعكس بشكل سلبي على الأداء ولهذا يجب على المراجعين الداخليين التأكد من قيام الإدارة بوضع قواعد سلوكية وقيم أدبية تحاول من خلالها الحد من مخاطر التنمر في مكان العمل مثل: الاحترام المتبادل، العدالة، النزاهة الإدارية، الإيجابية، التواصل الفعال، الأخلاق الحميدة، وغيرها من القواعد التي تعتبر مجتمعة بمثابة أسس سلوكية داخلية للشركة، كما يجب أن يتأكد المراجعين الداخليين أيضاً من قيام الإدارة بتوضيح العواقب المتوقعة لمن لا يمتثل بهذه الأسس مع الترويج لها بشكل جيد داخل الشركة ومن المهم جداً أن يتأكد المراجعين الداخليين من امتثال الشركة لقوانين العمل التي تشدد على ضرورة الالتزام بتوفير بيئة عمل آمنة ومستقرة وضمان عدم تعرض الموظف للمخاطر عندما يكون في مكان العمل أو عندما يعمل في مكان بالقرب من مكان العمل وتحت سيطرة صاحب العمل.
ويمكن أن تلعب المراجعة الداخلية دوراً مهماً في حماية الموظف من التنمر في مكان العمل من خلال التأكد من التزام الإدارة بالتحديد الواضح لمسؤوليات وسلطات جميع الوظائف بالهيكل التنظيمي والتحقق من قيام الشركة بتوفير فرص التعليم والتدريب للمدراء التنفيذيين والمشرفين والشخصيات العليا في السلطة، لأن غالبية التنمر يأتي منهم خاصة في الهياكل الكلاسيكية للإدارة وأن يفحص المراجعين الداخليين تقارير الإدارة للتأكد من تسجيل حالات التنمر برصدها في تقارير الحوادث والرد على هذه التقارير بسرعة وفاعلية.
ومن الترتيبات الداخلية في الشركة التي يجب على المراجعين الداخليين فحصها والتأكد منها هي قيام الشركة بتشكيل فريق إداري علمي ونزيه لدراسة ومعالجة حالات التنمر التي تحصل للموظفين أو الاستعانة بخبير محايد كمستشار خارجي وأن تكون الإدارة شفافة بشأن التعامل مع التنمر في مكان العمل بشرط ألا يكون ذلك على حساب السرية والخصوصية.
ينبغي على المراجعين الداخليين التأكد من وجود ضوابط تحمي الموظفين من التنمر الإلكتروني فيما بينهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني وتحديد عواقبه بوضوح تام وتقييم القنوات المتاحة للموظفين للإبلاغ عن أي سلوك غير لائق، مثل وجود خط اتصال مباشر بين الإدارة والموظفين أو ما يسمى بالخط الساخن Hot line وما ذا كان الموظفون على دراية به وما إذا كان يمكنهم الإبلاغ عن هويتهم دون خوف من أي تداعيات سلبية، وأن يطرح المراجعين الداخليين على أنفسهم تساؤلات مثل/ هل تتم معالجة مكالمات الخط الساخن في الوقت المناسب والتحقيق فيها بدقة وحلها؟ هل تتلقى الإدارة معلومات عن الوعي بالخط الساخن والمكالمات والتحقيقات ذات الصلة بشكل دوري؟
ومن الضروري أيضاً أن يتحقق المراجعين الداخليين من قيام إدارة الشركة بالتنسيق مع موظفي الصحة والسلامة وإدارات أو أقسام الموارد البشرية، ومعرفة ما إذا كان التنمر يحدث فعلاً أو أن هناك عوامل من المحتمل أن تزيد من خطر التنمر في مكان العمل ودراسة أسباب الغياب ومعدل دوران الموظفين والتأكد من قيام الشركة بطلب ملاحظات الموظف المغادر أو إجراء مقابلات خروج معه والسعي للحصول على ردود أفعال الموظفين المستمرين، والتغذية العكسية المنتظمة من المديرين والمشرفين والأطراف الداخلية والخارجية ذات العلاقة.
ومن واجبات المراجعين الداخليين التأكد من قيام الشركة بوضع شروط إدارية يجب توفرها في كل إداري ليتمكن من خلق بيئة عمل ناجحة وحاضنة، تتمثل أولاً في فهم ومعرفة إدارة الذات، إضافة إلى حسن الإصغاء والحوار، وضرورة إعطاء الموظف الثقة لخلق روابط بين المدراء والموظفين والتأكد من وجود ضوابط تمنع الشخصنة في التعامل بين كل رئيس ومرؤوس وتضمن الوسطية والاتزان/ ولا يجب أن يكتفي المراجعين الداخليين بتقييم الإدارة العليا ومجلس الإدارة , بل يجب عليهم تقييم المدراء التنفيذيين ورؤساء الأقسام والتأكد من أنهم يتخذون التدابير اللازمة لعدم حدوث التنمر في مكان العمل.