تقييم الشركات الناشئة حسب كل مرحلة

تمر الشركات الناشئة – التكنولوجية تحديداً - بثلاث مراحل رئيسية، لكل مرحلة صفاتها و مخاطرها وتحدياتها. بعضها يموت في مراحله الأولى، والبعض في المرحلة الثانية، وجزء بسيط ينجح في الوصول للمرحلة الثالثة وتحقيق النمو والانتشار. من خلال متابعتي لكثير من الشركات الناشئة، فإنه يمكن تقسيم حياة الشركة إلى:

كاتب المقالة : أحمد الفوزان 

 

تمر الشركات الناشئة – التكنولوجية تحديداً - بثلاث مراحل رئيسية، لكل مرحلة صفاتها و مخاطرها وتحدياتها. بعضها يموت في مراحله الأولى، والبعض في المرحلة الثانية، وجزء بسيط ينجح في الوصول للمرحلة الثالثة وتحقيق النمو والانتشار. من خلال متابعتي لكثير من الشركات الناشئة، فإنه يمكن تقسيم حياة الشركة إلى: مرحلة ما قبل المبيعات، ثم البحث عن نموذج العمل المناسب، ثم مرحلة النمو. هذه المراحل تتداخل في أحيان كثيرة، كما أن بعضها قد لاتمر به الشركة أصلا، ولكن هذا ليس مجال بحثنا في هذا المقال، بل إن ما يهمنا في هذا المقال هو كيف نقيم الشركات الناشئة في كل مرحلة من هذه المراحل. 

تجدر الإشارة إلى أن المقيمين يستخدمون، في الغالب، منهجين لتقييم أي شركة. المنهج الأول هو التدفقات النقدية المخصومة والمعتمد على توقع مستقبلي للأداء المالي للشركة، والثاني هو المقارنة السوقية بالشركات المشابهة ثم تقييم الشركة بناء على التقييمات التي تحصل عليها مثيلاتها. أي من هذه الطرق يصلح لتقييم شركة تكنولوجية ناشئة؟ 

لنشرح كل مرحلة بقليل من التفصيل ثم نتبعها بالطريقة المثلى للتقييم، وآمل ملاحظة أن هذا المقال يحتاج لإلمام بسيط بمادئ الاستثمار والمالية، لانه سيتطرق لبعض الأمور الفنية. 

المرحلة الأولى : مرحلة ما قبل المبيعات. 

تبدأ الشركة بفكرة ثم يقرر المؤسس او المؤسسون تنفيذها. في هذه المرحلة يكون التركيز على تطوير البنية التحتية للمنتج، وهي تحديدأ التكنولوجيا التي ستستخدم سواء كان موقعاً أو منصة او تطبيقا. بالإضافة إلى ذلك، فسيقوم الفريق الريادي بوضع خطة عمل تشمل شريحة العملاء المستهدفة وقنوات البيع والتسعير. مايميز هذه المرحلة هو التالي: لايوجد مبيعات، ولكن يوجد افتراضات كثيرة حول قابلية السوق للمنتج الذي يقدمونه من ناحية السعر والقيمة المضافة. كما أن الفريق المؤسس هو حجر الزاوية في هذه المرحلة، فالشركة هنا هي فقط عبارة عن فريق ومنتج لم يتم بيعه. 

في هذه المرحلة، فإن استخدام أياً من هذه الطرق المذكورة أعلاه يعد ضرباً من العبث برأيي. سبق وناقشنا في مقالات سابقة حول أن الشركات في هذه المرحلة لايوجد لها قيمة، لانها لم تصبح كيانات اقتصادية بعد، بالتالي فإن مصطلح " تقييم " لاينطبق عليها في الاصل. كما أن استخدام الطرق المذكورة يحتاج لتاريخ تشغيلي يستطيع المستثمر او المقيم البناء عليه، وهو ما لا يتوافر في مرحلة ماقبل المبيعات. إذا كيف يحدد المستثمر قيمة حصته في الشركة ؟ لاتوجد معادلة واضحة تحدد مقدار الحصة مقابل الاستثمار في هذه المرحلة. ولكني أميل إلى أن أي مبلغ يستثمر في الشركة يجب أن لايحصل المستثمر ( او المستثمرين مجتمعين ) على حصة تزيد عن 10-15%، بشرط أن يكون المبلغ كافياً لنقل الشركة إلى المرحلة التي تليها، فإذا لم يكن كافيا فحتى هذه النسب ستكون كثيرة. التبرير الذي أقدمه هنا هو أن المبالغ التي تحتاجها الشركة في هذه المرحلة، غالبا، هي مبالغ بسيطة لإكمال تصميم المنتج أو الخدمة، بالتالي فليس من المنطق أخذ حصة كبيرة في البداية مقابل مبالغ قليلة، حيث أن الشركة مقبله على جولات استثمارية أكبر وسيخسر المؤسسون حصص أكثر. لنتذكر أن المستثمر يجب يراعي نسبة تملك المؤسسين، خاصة في هذه المرحلة، وليس من الحكمة أن يقوم باخذ حصص كبيرة في الأيام الأولى من عمر الشركة حيث سيتسبب بأضرار ليس على الشركة والمؤسسين فقط، بل على على استثماره أيضاً. 

المرحلة الثانية: البحث عن نموذج عمل 

تدخل الشركة في هذه المرحلة بعد ان يبدو كل شيء واضحاً والخطة محكمة وجاهزة للتنفيذ، لذا يقرر الفريق النزول للسوق وبدء البيع. ولكن تكتشف الشركة أن المبيعات جاءت أقل من المأمول. تبحث عن السبب وتتحدث إلى العملاء، لتجد أن كثيراً منهم لم يعجبهم السعر، وجزء آخر لا يحتاجون المنتج أصلا ، ومجموعة ثالثة تحتاجه لكن ليس بالشكل الحالي له. هنا يواجه الفريق تحدي مهمة في إعادة تصميم نموذج العمل، فيقومون بإعادة تسعير المنتج وربما طريقة إنتاجه وأسلوب البيع. مايميز هذه المرحلة هو أنه يتم اختبار الفرضيات التي كانت لدى في الفريق في المرحلة الأولى. فالسوق له رأيه الذي قد يختلف عن الفرضيات التي لدى الشركة الناشئة. في هذه المرحلة، تبدأ ملامح النموذج التشغيلي بالظهور، ويزيد الحمل على الفريق المؤسس للتوصل إلى منتج يرضي العملاء. 

برأيي، فإن التقييم هنا يمكن أن يبنى بالنظر إلى تقييمات شركات مشابهة لها في المرحلة أو القطاع، مع مراعاة حصص المؤسسين. عادة مايقيم المستثمرون شركات في نفس المرحلة ولديها نموذج تشغيلي مشابه - ولكن ليس بالضرورة نفس القطاع - ومن ثم الاستئناس بهذه التقييمات وجعلها أساس للتفاوض. في الغالب، فإن التقييم في هذه المرحلة يعتمد على مضاعفات المبيعات. فالشركة ستكون خاسرة ولكن لديها مبيعات، فالتقييم يكون، مثلاً، عشرة مضاعفات للمبيعات او 15 مضاعف، بمعنى أن شركة مبيعاتها مليون ريال، يتم تقييمها بعشرة ملايين وهكذا. لكن، مرة أخرى، يجب الأخذ بالاعتبار حصص المؤسسين وأن لايتم إضعاف اهتمامهم بالشركة في هذه المرحلة، لان الشركة لازالت تعتمد عليهم بشكل كبير ولازالت بحاجة إلى استثمارات مستقبلية ستأكل من حصصهم المتبقية. لذا لا أعتقد أنه من المناسب أن يخسر المؤسسون أكثر من 20-25% حصة إضافية. 

ماذا لو كان التقييم منخفض مما سيقود إلى خسارة حصص أكبر؟ هنا لدينا حل من ثلاثة حلول، إما أن يتم تخفيض المبلغ المستثمر أو أن يرفع التقييم أو كلاهما. وهذا في الغالب يتم حله عن طريق التفاوض. المستثمر المتمرس غالبا ينتبه إلى هذه النقطة ولايدفع المؤسسين إلى خسارة حصص كبيرة. أيضاً سأفترض أن الاستثمار سيساعد الشركة في الوصول لنموذج عمل ومنتج مناسب للسوق، وتهيئتها لمرحلة النمو والتوسع. ما لا يمكن تطبيقه هنا هو طريقة التدفقات النقدية المخصومة، لأن هذه الطريقة تتطلب رؤية واضحة للأسعار وعدد الوحدات المباعة بالإضافة إلى هيكل التكاليف، وهو ما تفتقر إليه الشركة في هذه المرحلة تحديداً. 

المرحلة الثالثة: مرحلة النمو

بعد مجموعة من عمليات التعديل والتجريب، ونجاح الشركة في الوصول إلى منتج بسعر وجودة مقبولة لدى غالبية العملاء، تنتقل الشركة إلى المرحلة الثالثة وهي مرحلة النمو. في هذه المرحلة، تقوم الشركة بعملية تسويق مكثفة، وتبدأ بالبيع بكميات كبيرة. وصول الشركة لهذه المرحلة يعني أنها تحتاج لضخ استثمارات كبيرة لمواجهة الطلب الناتج عن عمليات التسويق. مايمز هذه المرحلة هو وضوح نموذج العمل، حيث تقوم الشركة بتكرار نفس اجراءات العمل ولكن بأحجام أكبر. كما أنها تتميز بتراجع أهمية المؤسسين و ارتفاع أهمية الخط الثاني من القيادات. 

التقييم في هذه المرحلة يمكن أن يبنى على طريقة التدفقات النقدية المخصومة. فالسعر واضح والسوق قد قبل به، وهيكل التكاليف استقر على هوامش معينة، لذلك فإن الشركة هنا حتى وإن كانت خاسرة فإنها يمكن من الناحية الفنية أن تبني نموذج مالي لسنوات قادمة حتى تصل للربحية. أيضاً يمكن استخدام طريقة المقارنة السوقية، وفي الغالب فإن المقيم يقوم بتطبيق كلا الطريقتين ثم يتوصل لتقييم عادل للشركة. في هذه المرحلة أميل إلى أن يتم تقييم الشركة بغض النظر عن حصص المؤسسين، فالشركة أصبحت كيان اقتصادي قائم ومن المفترض أن تعمل حتى بغيابهم. وعلى أية حال، فإن هذا الأمر عائد لتقدير المقيم أو المستثمر، فلو رأى أن الشركة لازالت تقوم على الأشخاص، فالواجب مراعاة ذلك. 

إذا فهذه هي المراحل التي، من وجهة نظري، تمر بها غالبية الشركات الناشئة قبل أن تتحول إلى شركات ناضجة تنمو بنسب طبيعية. من المهم للمستثمر أن يعرف إلى أي مرحلة وصلت الشركة التي يرغب بالاستثمار بها. هذا سيسهل عليه عملية تقييم المخاطر والعوائد، ثم على ضوءها معرفة الأسلوب الأمثل لتقييم الشركة قبل الاستثمار بها. وكما رأينا فإن التقييم يختلف في كل مرحلة باختلاف أهمية الفريق المؤسس ونموذج العمل او الاستقرار والنمو. هذه العناصر لانجدها في الغالب في الشركات الكبيرة والمستقرة، لذا فإن المقيمين والمستثمرين لايجدون إشكالاً في تطبيق الطرق الفنية المعروفة، اما في الشركات الناشئة – التكنولوجية خاصة – فإن هذه الكيانات لها خصائصها التي تميزها، ومن ثم فإن التقييم يجب أن يراعي هذه الخصائص. 

 

 

قراءة 2290 مرات آخر تعديل في الإثنين, 20 يونيو 2022 08:48
سجل الدخول لتتمكن من التعليق

 

في المحاسبين العرب، نتجاوز الأرقام لتقديم آخر الأخبار والتحليلات والمواد العلمية وفرص العمل للمحاسبين في الوطن العربي، وتعزيز مجتمع مستنير ومشارك في قطاع المحاسبة والمراجعة والضرائب.

النشرة البريدية

إشترك في قوائمنا البريدية ليصلك كل جديد و لتكون على إطلاع بكل جديد في عالم المحاسبة

X

محظور

جميع النصوص و الصور محمية بحقوق الملكية الفكرية و لا نسمح بالنسخ الغير مرخص

We use cookies to improve our website. By continuing to use this website, you are giving consent to cookies being used. More details…