من بين أسباب فشل الشركات هو وجود حالة من التنافس داخل جناحها التنفيذي وصراع أقسامها المختلفة على مواردها. الكل له خطة والكل له استراتيجية يتصرف وفقها، والإدارة منفصلة عن الموظفين وكذلك باقي أقسام الشركة مع بعضها البعض.
في الثامن من مارس عام 1965 قامت قوات اللواء التاسع من مشاة البحرية الأمريكية بعملية إنزال على ساحل مدينة دا نانج الفيتنامية، لتدخل الولايات المتحدة لأول مرة بشكل رسمي في حرب فيتنام، وذلك بغرض وقف المد الشيوعي القادم من الصين وشمال فيتنام ومنع انتشاره إلى بقية جنوب شرق آسيا.
واستطاع الجيش الأمريكي الانتصار بشكل حاسم في كل المعارك التي خاضها ضد قوات "الفيت كونج" (الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام)، وكان تفوقه على الخصم في الاشتباكات المباشرة واضحا جداً. ورغم ذلك، بحلول عام 1976 سيطرت الشيوعية على جنوب فيتنام ولاوس وكمبوديا. انتصر الجيش الأمريكي في كل المعارك وخسر الحرب.
كيف حدث هذا؟ يرى الكثير من الخبراء العسكريين أن سبب هزيمة الأمريكيين في حرب فيتنام رغم تفوقهم الواضح على الأرض هو أن الجيش لم تكن لديه عقيدة واستراتيجية موحدة، كما لم يكن لديه تعريف واضح للنصر. وبينما أدى الجنود ما عليهم في ساحات الاشتباك، لم يكن القادة السياسيون والعسكريون الأمريكيون على قدر المهمة.
ببساطة خسر الأمريكيون حرب فيتنام لأنهم دخلوها بنفس العقلية التي خاضوا بها الحرب العالمية الثانية، في حين أن خصمهم كان عبارة عن مجموعة مسلحة تجيد حروب العصابات ومجرد نجاتها ونجاحها في تجنب التدمير التام في المعارك المباشرة يعد انتصاراً لها.
الشاهد هو أن نفس الخطأ الذي وقعت فيه القيادة السياسية والعسكرية الأمريكية خلال حرب فيتنام لا يزال يقع فيه المديرون التنفيذيون في معظم الشركات. فكل خططهم وأفكارهم وافتراضاتهم الاستراتيجية تخص ساحة معركة تنافسية لم تعد موجودة أصلاً. لقد تغيرت قواعد الاشتباك في السوق منذ زمن بينما لا تزال عقول هؤلاء محلك سر.
عصر المنافسة الشاملة
في مقال نشره في أكتوبر 1995 يقول الأكاديمي ورجل الأعمال الأمريكي " مارك بي فولر"، إن عصر ما كان يطلق عليه الجنرال البروسي "كارل فون كلاوزفيتز" المنافسة المنظمة قد انتهى، فقد دخلنا في عصر المنافسة الشاملة.
فبغض النظر عن الصناعة أو القطاع أو الدولة التي تعمل فيها الشركة هناك دائماً منافس جاهز للاشتباك جالس يعد نفسه ومشغول بالتفكير بكيفية الانقضاض عليها. ولا توجد هناك ملاذات آمنة أو مكان لتهرب إليه. هذه مواجهة حتمية.
فشل أي شركة يبدأ دائماً من قمة الهرم. فإما أن يكون المديرون التنفيذيون ليس لديهم أي دراية أو معلومات عن التحديات التي تواجه الشركة، أو أنهم يمتلكون تلك المعلومات ولكنهم عاجزون عن اتخاذ القرار المناسب حيالها. وقد يمتلكون المعلومة ويعرفون القرار الصحيح ولكنهم يتباطؤون في اتخاذه، وحين يضغطون على الزناد أخيراً يكون الهدف قد تحرك من مكانه.
أيضاً، من بين أسباب فشل الشركات هو وجود حالة من التنافس داخل جناحها التنفيذي وصراع أقسامها المختلفة على مواردها. الكل له خطة والكل له استراتيجية يتصرف وفقها، والإدارة منفصلة عن الموظفين وكذلك باقي أقسام الشركة مع بعضها البعض.
ما يزيد الوضع سوءًا هو قيام الشركات بتجزئة استراتيجيتها - إن كان لديها واحدة أصلاً - إلى مشاريع منفصلة تحيلها إلى أشخاص مختلفين في أماكن مختلفة، أشخاص لم يسبق لهم العمل سوياً. في الحقيقة إن النظام الداخلي للشركة والطريقة التي يتم بها تدريب وتحفيز هؤلاء الأشخاص تدفعهم إلى عدم الثقة ببعضهم البعض والإحجام عن مساعدة بعضهم البعض. ببساطة لقد تم تدريب هؤلاء على عدم العمل معاً.
افتقار القيادة إلى الاستراتيجية الموحدة والرؤية الشاملة كان هو سبب هزيمة الأمريكيين في حرب فيتنام، وهو أيضاً سبب فشل الكثير من الشركات.
أهمية المعلومة .. اعرف نفسك
في عام 1802 تأسست الأكاديمية العسكرية الأمريكية المعروفة باسم "ويست بوينت". وبعد مرور ما يزيد على القرنين الآن، تغيرت كل المواد التي كان يتم تدريسها لطلاب الأكاديمية باستثناء مادة واحدة وهي مادة قراءة الخرائط. والسبب بسيط جداً، وهو أن المعلومات هي قلب التغيير والخرائط هي معلومات بالأساس.
يرسم الجيش الخرائط من خلال الاستعانة بالأقمار الصناعية التي تصور أرض العدو وأسلحته ومن خلال الطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض لتراقب تحركات قوات الخصم. ومن هذه الخرائط يخلق الجيش معلومات دقيقة تعكس كيفية تغير ساحة المعركة بمرور الوقت. هذا النوع من المعلومات يساعد الجيش على اتخاذ قرارات مستنيرة.
نفس الفكرة تنطبق على عالم الأعمال. فالشركات تحتاج إلى جمع المعلومات الاستخباراتية باستمرار عن المنافسين. ولكن أثناء رسمها لخرائطها الخاصة لساحة المعركة يجب ألا تراعي فقط الأصول المالية والمادية التي يمتلكها المنافسون وإنما يجب أن تأخذ في الاعتبار أيضاً أصولهم البشرية والمعرفة والتكنولوجيا التي قد يمتلكونها.
الأهم من رسم خرائط لساحة المنافسة هو رسم الشركة خرائط لنفسها. فالكثير من الشركات لا تمتلك خريطة واضحة لمواردها البشرية، وهو ما يجعلها عرضة لاتخاذ قرارات خاطئة.
على سبيل المثال، يشير "مارك بي فولر" إلى أن إحدى الشركات الأمريكية اتخذت قراراً استراتيجياً جريئاً بدخول السوق الصيني بغرض الاستيلاء على حصة سوقية معتبرة هناك. ورغم أنها قررت دخول السوق الصيني في الوقت المناسب فعلاً إلا أنها حين اتخذت هذا القرار لم تكن لديها أي بيانات – خارطة – حول مواردها البشرية التي يمكنها الاستعانة بها في السوق الصيني.
كم عدد موظفي الشركة الذين سبق لهم أن عاشوا أو عملوا في الصين؟ كم عدد من يتكلم الصينية؟ كم عدد الموظفين الذين لديهم الاستعداد للانتقال مع أسرهم إلى الصين والاستقرار بها لمدة 5 سنوات؟ للأسف لم يكن لدى إدارة الشركة إجابة عن أي من هذه الأسئلة.
بعد اتخاذ الرئيس التنفيذي قراره الجريء اكتشف أن الشركة ليس لديها العدد الكافي من الموظفين لتنفيذ خطة التوسع في السوق الصيني، مما دفع الشركة للتراجع عن الخطة.
الفكرة هي أن نجاح أي قرار في تحقيق المأمول من ورائه لا يعتمد فقط على توقيت اتخاذه وإنما يعتمد أيضاً على دقة وديناميكية المعلومات التي اتخذ على أساسها. ولذلك، عندما يضع المديرون التنفيذيون أيديهم على المعلومات الدقيقة – التي يتم تحديثها باستمرار – حول المنافسين وحول شركاتهم سيكون باستطاعتهم اتخاذ قرارات مستنيرة وبناء استراتيجية موحدة ينصهر خلالها كافة الموظفين والأقسام.
في المحاسبين العرب، نتجاوز الأرقام لتقديم آخر الأخبار والتحليلات والمواد العلمية وفرص العمل للمحاسبين في الوطن العربي، وتعزيز مجتمع مستنير ومشارك في قطاع المحاسبة والمراجعة والضرائب.