يثار التساؤل حول أثر التحول إلى المعايير الدولية على المبالغ المعروضة في القوائم المالية. ويأتي الجواب بأن المعايير الدوليةتتضمن متطلبات قياس وعرض قد تختلف عن المعايير السعودية، إما بسبب تحديث المعايير الدولية عما كانت عليه عند إصدارالمعيار السعودي المقابل، أو بسبب وجود معايير دولية لا يقابلها معيار سعودي، كما تتطلب المعايير الدولية إفصاحات تفوق تلك التيتطلبها المعايير السعودية. ويعطي القسم اللاحق لهذا القسم ملخصاً عن أبرز ملامح المعايير الدولية مقارنة بالمعايير السعودية. ولكن ما يجب أخذه في الحساب هو أنه مع وجود احتمال كبير لآثار للمعايير الدولية على طرق القياس والعرض والإفصاح على عناصر القوائم المالية إلا أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل قياس الأثر العام الناتج من تطبيق المعايير الدولية على المبالغ المعروضة في القوائم المالية بعد التحول إلى تلك المعايير، فهذه هي مهمة كل شركة على حدة، حيث يفرض عليها المعيار الدولي للتقرير المالي رقم « 1 تطبيق المعايير الدولية للتقرير المالي لأول مرة » أن تفصح عن آثار التحول على مركزها المالي ونتيجة أعمالها وتدفقاتها النقدية.
ويمكن سرد عدد من العوامل التي تعيق قياس الأثر المتوقع على المبالغ المعروضة في القوائم المالية بشكل عام كما يلي:
1. يضع المعيار الدولي للتقرير المالي رقم « 1 تطبيق المعايير الدولية للتقرير المالي لأول مرة » حدوداً على تطبيق متطلبات المعايير الدولية، حيث يعطي الشركة الحق في تقدير منفعة وتكلفة تطبيق معين، وهذا أمر لا يمكن تقديره إلا من داخل الشركة، ويحكم عليه المراجع الخارجي.
2. تتنوع طبيعة أعمال الشركات ومن ثم طبيعة أصولها والتزاماتها وهياكل التمويل لديها، ولذلك من المستحيل أن يتم إعطاء تصور عام عن آثار التحول بشكل عام. بل إنه يصعب أن يتم إعطاء هذا التصور لقطاع معين لاختلاف الشركات في القطاع نفسه، ولإمكانية تطبيق الشركات خيارات مختلفة لمعالجات المحاسبية تسمح بها المعايير الدولية، فعلى سبيل المثال وخلافاً للمعيار السعودي فإن معيار المخزون يسمح بطريقتين لقياس مخزون آخر الفترة، إحداهما هي التي يوجبها المعيار السعودي والثانية يسمح بها المعيار السعودي إذا أفصحت الشركة عن مبررات استخدامها. وحتى لو أن الشركات استخدمت الطريقة الأخرى وفقاً للمعايير الدولية والتي لم تكن تستخدمها وفقاً للمعايير السعودية، فمن الصعب بل من المستحيل توقع الأثر على مبلغ مخزون نهاية الفترة بشكل عام، لأن ذلك يعتمد على نوع مخزون الشركة وتأثره بتقلبات الأسعار خلال الفترة، وأسلوب توريد الشركة لمخزونها على مدى الفترة المالية. ولا يمكن لأحد أن يحدد ذلك الأثر سوى الشركة نفسها.
3. كما سبقت الإشارة إليه فإن المعايير الدولية لا تمثل في جملتها إطاراً مختلفاً عن المعايير السعودية، فالمعايير السعودية تتماثل مع المعايير الدولية من حيث المبادئ الأساسية وتعريف عناصر القوائم المالية، بل إن معظم المعايير السعودية التي صدرت في الآونة الأخيرة اعتمدت في متطلباتها على المعايير الدولية وقت إصدارها، ولكن المعايير الدولية أكثر شمولاً وحداثة في تغطيتها للمعاملات المالية. ولذلك وعلى الرغم من أن المعايير الدولية توجب على الشركات أن تثبت أي أصول أو التزامات لم تكن أثبتتها من قبل إذا كانت المعايير الدولية تلزم بهذا الإثبات، وأن تلغي إثبات أي أصول أو التزامات إذا كانت المعايير الدولية لا تجيز إثباتها، فأخذاً في الحسبان أن الشركات تختلف من حيث تنوع أصولها والتزاماتها، وطبيعة أنشطتها، وسياساتها المحاسبية التي تبين نظرتها لتغطية المعيار السعودي لموضوع معين من عدمه، ومن ثم مدى تطبيقها لقرار سابق لمجلس إدارة الهيئة بتطبيق المعايير الدولية على المواضيع التي لا تغطيها المعايير السعودية، فمن الصعب اعطاء توقع عن الأصول أو الالتزامات التي يمكن أن تثبت أو يمكن أن يلغى إثباتها ما لم يتم تحليل القوائم المالية لكل شركة على حدة وما تم لديها من معاملات للتعرف على الأصول والالتزامات التي يجب أن تثبت أو تلغى.
4. يعطي المعيار الدولي للتقرير المالي رقم « 1 تطبيق المعايير الدولية للتقرير المالي لأول مرة » عدداً من الإعفاءات من تطبيق المعايير الدولية على القائمة الافتتاحية وفقاً لقدرات الشركات على توفير المعلومات عن بعض عناصر القوائم المالية، أو وفقاً لاختيار الشركة نفسها، وهو ما يختلف من شركة إلى شركة، ويعتمد استخدام عدد من الإعفاءات على قرار الشركة باستخدام المبالغ المبنية على المعايير المحلية أو إعادة حساب تلك المبالغ بأثر رجعي وفقاً للمعايير الدولية. وهذا لا يمكن تحديده إلا من خلال ما ستفصح عنه الشركات في قوائمها المالية الأولى المعدة وفقاً للمعايير الدولية.
5. أخذاً في الاحتمال وجود سوء تطبيق متراكم للمعايير السعودية لدى بعض الشركات، فإن التحول إلى المعايير الدولية قد يستغل لتصحيح تلك الأخطاء المتراكمة، مما يظهر معه أثر لتطبيق المعايير الدولية، هو في الحقيقة بسبب خطأ تطبيق المفاهيم والمعايير السعودية التي لا تختلف في جوهرها عن المعايير الدولية. ولعل من أكثر المعايير توقعاً بسوء تطبيقها معيار «الهبوط في قيمة الأصول غير المتداولة »، وكيفية تقويم الاستثمار في الأوراق المالية في الشركات غير المدرجة وفقاً معيار «المحاسبة عن الاستثمار في الأوراق المالية »، وكيفية احتساب الاستهلاك على الأصول الثابتة وقيمتها المتبقية، وتطبيقات الإيجار بأنواعه، وغيرها من التطبيقات، والتي يمكن أن تستغل الشركات عملية التحول إلى المعايير الدولية لتصحيحها وتظهر لمستخدمي التقارير على أنها من آثار التحول إلى المعايير الدولية.
والخلاصة هي أن أي محاولة للحديث عن آثار تطبيق المعايير الدولية على المبالغ المعروضة في القوائم المالية بشكل عام ستكون معتمدة على افتراضات نظرية، قد توجد في شركة ولا توجد في أخرى، وقد توجد انطباعات لدى مستخدمي القوائم المالية تجعلهم يتخذون قرارات على أساسها ظناً منهم أن هذه الافتراضات ستنطبق على كل الشركات. فعلى سبيل المثال تطلب المعايير السعودية اعتبار تكاليف التأسيس مصروفات للفترة التي أنفقت فيها، وتسمح برسملتها إذا قدرت أن لها منافع مستقبلية، في حين أن المعايير الدولية تعتبر تلك التكاليف مصروفات. فلو تم الحديث عن أثر تطبيق المعايير الدولية على هذا العنصر من القوائم المالية بأنه سيؤدي إلى انخفاض في أصول الشركات يقابله انخفاض في أرباحها المبقاة، مما يؤثر على قدرتها على توزيع الأرباح، فإن عموم مستخدمي القوائم المالية سيرون أن له أثراً سلبياً على سوق الأسهم، ومن ثم تتأثر أسعار الأسهم بالانخفاض لعموم الشركات. وهذا خطير جداً، لأن تأثر أي شركة بتطبيق المعايير الدولية يعتمد على عوامل داخلية، منها وجود العنصر نفسه، وحجمه، وسياسة الشركة المحاسبية في التعامل معه والتي يمكن أن تكون متفقة مع المعالجة الدولية.
وفي مثال آخر مقابل، تطلب المعايير الدولية تصنيف الأصول غير المتداولة المجنبة للبيع ضمن الأصول المتداولة ما دام أنها سيتم تسييلها خلال سنة، في حين لا تشترط المعايير السعودية ذلك بشكل صريح. فلو تم الحديث عن أثر تطبيق المعايير الدولية على هذا العنصر من القوائم المالية بأنه سيزيد من حجم الأصول المتداولة ومن ثم تحسين نسبة السيولة، فإن عموم مستخدمي القوائم المالية سيرون لها أثراً إيجابياً على سوق الأسهم ومن ثم تتأثر أسعار الأسهم بالارتفاق. وهذا أيضا خطير، لأنه كما سبق إيضاحه أعلاه، يعتمد تأثر أي شركة بتطبيق المعايير الدولية على عوامل داخلية، منها وجود العنصر نفسه، وحجمه، وسياسة الشركة المحاسبية في التعامل معه والتي يمكن أن تكون متفقة مع المعالجة الدولية، حيث لا توجد معالجة محددة له في المعايير السعودية. وحتى لو تم الحديث عن قطاع بعينه، فمن الصعب تحديد أثر التطبيق على مبالغ القوائم المالية بدون وضع افتراضات معينة، فعلى سبيل المثال قد يتوقع أن الشركات العقارية ستتأثر قوائمها المالية إيجاباً بالمعايير الدولية مقارنة بغيرها من القطاعات، ولكن الحقيقة أن الشركات العقارية مثلها مثل غيرها من الشركات، سيكون عليها الوفاء بمتطلبات المعايير عند إعدادها لقوائمها المالية، وسيعتمد مدى تأثر قوائمها بتطبيق المعايير الدولية مقارنة بالمعايير السعودية على عوامل داخل الشركة تتعلق بطبيعة نشاطها.
فهناك شركات عقارية يتركز نشاطها على تطوير العقارات وبيعها، فهذه سيطبق عليها معيار المخزون الذي لا يختلف كثيراً في معالجاته عن المعيار السعودي، وهناك شركات يتركز نشاطها على بناء الفنادق والوحدات المفروشة وتشغيلها، وهذه سيطبق عليها معيار العقارات والمعدات والآلات المشابه للمعيار السعودي الخاص بالأصول الثابتة، ولن تختلف تلك الشركات في تطبيقها لهذا المعيار عن بقية الشركات. ولكن الذي قد يتأثر بالمعايير الدولية هي تلك الشركات التي لديها عقارات معدة للإيجار من غير أن يكون لها دور كبير في إدارة تلك العقارات، حيث سيكون بإمكانها تقويم تلك العقارات بالقيمة العادلة، وإثبات تغيرات تلك القيمة في قائمة الدخل، ومثلها الشركات الأخرى التي لديها عقارات تهدف من الاحتفاظ بالعقارات انتظار مكاسب رأسمالية من بيعها في غير السياق العادي لنشاطها.
ولعل مما يقلل من أي تخوف غير حقيقي من أن تطبيق المعايير الدولية سيغير بشكل جوهري من المبالغ المعروضة في القوائم المالية أو أنه سيقلب موازين المقارنات بين الشركات ما يلي:
1.يشترط المعيار الدولي للتقرير المالي رقم « 1 تطبيق المعايير الدولية للتقرير المالي لأول مرة » على الشركات أن تعرض
-المبالغ المالية لسنة المقارنة -أي السنة التي تسبق السنة التي يتم فيها التحول، بما فيها قائمة المركز المالي الافتتاحية وفقاً للمعايير الدولية وبنفس السياسات المحاسبية، وأن تقوم بعكس أثر أي تعديلات في قائمة المركز المالي الافتتاحية ( أي التي تسبق تاريخ التحول بسنتين ) ، بحيث لا تتأثر نتائج السنوات اللاحقة لها بسبب تغيير المعايير، وبذلك يتمكن القارئ من عزو أي تغير في مبالغ القوائم المالية في سنة التحول إلى تغيرات حقيقية في أعمال الشركة وليس بسبب تغيير المعايير المستخدمة في إعداد القوائم المالية وهو ما يشار إليه عادة بمقارنة التفاح مع التفاح، بدلاً من مقارنة التفاح مع البرتقال(. هذا فضلاً عن الاشتراط المشار إليه في بداية هذا المقال من أنه يجب على الشركات بيان سبب أي تغير في المبالغ المعروضة عما كانت عليه وفقاً للمعايير المحلية.
2.زاد المعيار الدولي من التأكيد على موضوع المقارنة، حيث اشترط على الشركة التي قد تعرض مقارنات تاريخية وفقاً للمعايير المحلية أن تقوم بإيضاح هذه الحقيقة بشكل لا يحتمل اللبس، وأن تبين التعديلات التي يجب أن تتم على هذهالأرقام لتكون متفقة مع المعايير الدولية.
3.ومما يقلل من آثار التحول إلى المعايير الدولية اشتراط المعيار الدولي للتقرير المالي رقم « 1 تطبيق المعايير الدولية للتقرير المالي لأول مرة » على الشركات عند التحول أن تكون تقديراتها المحاسبية متسقة مع ما كانت تستخدمه في تطبيقها للمعايير المحلية، سواء في قائمة المركز المالي الافتتاحية أو القوائم المالية لسنة المقارنة.
منقول,,,
إعتماد المعايير الدولية بالمملكة العربية السعودية