شهدت الـ20 سنة الماضية تطوراً مذهلاً فى معدل نمو التجارة الدولية فى السلع والخدمات وانتقال رؤوس الأموال عبر الدول، وصاحب هذا التطور نمط جديد للعولمة المعلوماتية مدفوع بالانتقال السريع لكميات ضخمة من البيانات.
التجارة الإلكترونية تمثل 1٫2٪ من تجارة التجزئة العالمية ولا تدفع ضرائب
حجم التجارة الإلكترونية أصبح يمثل حالياً ما يقترب من 10.2% من إجمالى تجارة التجزئة فى العالم، وبحسب ما أورده رئيس مصلحة الضرائب الأسبق ومستشار هيئة الأمم المتحدة الدكتور مصطفى عبدالقادر فى دراسة تتناول التجارة الإلكترونية.
ورغم هذا الكم من التجارة الإلكترونية تبقى الدول مكتوفة الأيدى أمام إخضاع هذا النوع من التجارة إلى الضرائب بنوعيها، سواء على الدخل أو القيمة المضافة، ما دعا خبراء الضرائب للمطالبة بإجراء تعديلات سريعة على القوانين المصرية وسد الثغرات التى تنفذ من خلالها الشركات متعددة الجنسيات وتعمل فى التجارة عبر الإنترنت للحفاظ على مقدرات الدولة، فى وقت تسعى فيه الحكومة بقوة لإخضاع التجارة الإلكترونية للضرائب، حفاظاً على حقوق الدولة والخزانة العامة.
«الوطن» رصدت التحركات الحكومية الحالية لإخضاع بيزنس «الأون لاين» للمنظومة الضريبية، بما يضمن زيادة الحصيلة الضريبية لخزانة الدولة.
الحكومة تتحرك لإخضاع "البيزنس الرقمى" للمنظومة الضريبية
تواصل الحكومة، ممثلة فى وزارة المالية ومصلحة الضرائب التابعة لها، جهودها لإخضاع التجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمى بشتى الطرق، بالتشاور مع كبرى الشركات التى تعتمد على التجارة الإلكترونية بشكل أساسى، أو دراسة التجارب الدولية، أو بتنظيم ندوات لمناقشة سبل فرض وإخضاع التجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمى ضريبياً.
وكشف مصدر حكومى بارز لـ«الوطن» أن الوزارة فى مرحلة البحث والتدقيق عن أفضل الوسائل والطرق المعترف بها دولياً لإخضاع الاقتصاد الرقمى للضرائب، حفاظاً على مقدرات الدولة، وفى الوقت نفسه الحفاظ على الشركات ودعم الاستثمارات القائمة على هذا النوع من التجارة الذى أصبح واقعاً لا مفر من مواجهته.
وأكد أن وزارة المالية ستدعو منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، (OECD)، خلال الفترة المقبلة، لمناقشة إخضاع التجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمى ضريبياً. وقال المصدر إن أحد أهداف المؤتمر هو تفعيل «الوثيقة متعدّدة الأطراف»، التى أعدّتها منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، التى وقعت عليها مصر فى يونيو 2017، موضحاً أن الوثيقة تهدف إلى مواجهة الممارسات، التى تقوم بها الشركات الدولية العاملة فى مجال الاقتصاد الرقمى.
مسئول: بروتوكولات مرتقبة مع الشركات لزيادة حصيلة الاقتصاد غير الرسمى
وأضاف المصدر أن وزارة المالية بصدد توقيع بروتوكولات تهدف إلى إخضاع وإلزام عدد من الشركات الإلكترونية العالمية العاملة فى مصر بقطاعات الشراء والبيع والتسويق عبر الإنترنت بالضرائب، رافضاً تسمية شركات بعينها، مشيراً إلى أن «زيادة الحصيلة الضريبية للخزانة العامة للدولة من الاقتصاد غير الرسمى والرقمى باتت أمراً ملحاً لزيادة الإنفاق على بندى التعليم والصحة وبرامج الحماية الاجتماعية، التى تتوسع فيها الدولة بشكل كبير أخيراً».
وأوضح المصدر أن الحكومة تعمل فى اتجاه آخر تسعى من خلاله إلى بناء قدرات الدولة وتطويرها من خلال المنظومة الآلية الموحّدة للتحول الرقمى، وبناء اقتصاديات تنافسية ومتنوعة، وإقامة مجتمعات حديثة داعمة للمعرفة والابتكار وجاذبة للاستثمارات، وتحقيق التكامل بين قواعد البيانات، لتقديم خدمات مميكنة للمواطنين، فى إطار استراتيجية «مصر ٢٠٣٠». وكشف المصدر أن الحكومة خصّصت فى موازنة العام المالى الحالى نحو 7.8 مليار جنيه لمشروع تطوير وتحديث البنية المعلوماتية والمحتوى الرقمى، و١٥٥ مليون جنيه لمشروع قواعد البيانات المتكاملة، بالتعاون مع الرقابة الإدارية، وتطوير القدرات الرقابية.
"المالية": نعمل على مشروع قانون لضريبة الدخل لتطبيقها على إعلانات مواقع التواصل
كان وزير المالية عقد اجتماعاً فى سبتمبر الماضى مع ممثلى شركة «فيس بوك»، فى ضوء استجابة الشركة لدعوة الوزارة إلى استعراض أفضل التطبيقات الضريبية المرتبطة بالخدمات المقدّمة عبر الإنترنت والتجارة الإلكترونية وآليات تنفيذها فى مصر بشكل توافقى لما لدى شركة «فيس بوك» من خبرات مختلفة وتجارب ناجحة مع دول أخرى فى هذا المجال، وكشف الوزير لـ«الوطن» أن الهدف من إعداد تلك التشريعات هو مواكبة التغيرات الاقتصادية العالمية والتحول الرقمى الذى أصبح السمة الغالبة، ولضمان استمرار النمو والاتساق مع المعايير الدولية، ودمج الاقتصاد الرقمى والموازى فى الاقتصاد الرسمى، بما لا يتعارَض مع تشجيع رواد الأعمال، لضمان التنافسية العادلة بالسوق، وهو ما سوف ينعكس إيجابياً على الاقتصاد القومى ككل.
وقال وزير المالية إن الوزارة تضع فى الوقت الحالى اللمسات الأخيرة على مشروع قانون جديد خاص بالضريبة على الدخل، ويشمل التطبيق الضريبى على إعلانات مواقع التواصل الاجتماعى والمنصات الرقمية، وذلك من قِبَل فريق متخصص من وزارة المالية ومصلحة الضرائب، وسوف يكون هناك تنسيق وتعاون مع «فيس بوك»، للاستفادة من الخبرة الدولية فى مجال التطبيقات الضريبية على مواقع التواصل الاجتماعى للإعلانات والخدمات المقدّمة عبر الإنترنت، ومن المقرر قيام الوزارة، بالتنسيق مع أصحاب المصلحة المعنيين، بما فى ذلك «فيس بوك»، فور الانتهاء من الصياغة الأولية لتلقى مقترحاتهم، لافتاً إلى أنه فور الانتهاء من مشروع القانون سيتم طرحه على المجتمع المدنى، مؤكداً أن الوزارة كثفت لقاءاتها مع شركات التجارة الإلكترونية ومواقع التواصل والمنصات الاجتماعية للتوصل إلى أفضل الخبرات العالمية.
وأضاف أنه بالتزامن مع مشروع القانون الجديد فإن الوزارة تجرى تطويراً على المنظومة الجمركية، وإعادة هندسة الإجراءات، وميكنتها بما يُسهم فى جذب المزيد من الاستثمارات، وتعزيز الشفافية، وضمان الحصول على معلومات دقيقة، وإرساء نظام رقابى مُحكم يُحد من عمليات التهرّب، ويحفظ حقوق الخزانة العامة للدولة من الضرائب والرسوم الجمركية، لافتاً إلى أن منظومة النافذة الواحدة القومية للتجارة الخارجية، ومع كل التحديات التى تُواجهها تخضع للتطوير المستمر، على النحو الذى يُسهم تدريجياً فى تقليص زمن الإفراج، وخفض تكاليف التخليص الجمركى، وتحسين ترتيب مصر بمؤشر «تسهيل التجارة عبر الحدود»، علاوة على ميكنة «الضرائب العقارية» وربط المأموريات آلياً بشبكة داخلية، وإنشاء قاعدة بيانات إلكترونية دقيقة لتحسين بيئة العمل وتسريع وتيرة الأداء وتيسير سداد المواطنين للضرائب المستحقة على وحداتهم، وفقاً للقانون من أى مقر، بعيداً عن أى تكدّس.
وحول تأثير الميكنة على الموازنة العامة للدولة، قالت وزارة المالية إن التنفيذ الإلكترونى للموازنة العامة للدولة، أسهم فى ضبط وحوكمة الأداء المالى، وإحكام الرقابة على الصرف، وضمان عدم تجاوز الاعتمادات المالية المقرّرة من السلطة التشريعية، ورفع كفاءة الإنفاق العام، والحفاظ على العجز المستهدف، بل وتحقيق مستوى عجز فعلى ٨.٢٪، أقل من العجز الذى كان مستهدفاً ٨.٤٪، وتحقيق مستوى الفائض الأولى المستهدف ٢٪، إضافة إلى توفير بيانات لحظية دقيقة عن أداء تنفيذ كل موازنات الهيئات والوحدات التابعة لكل وزير أو محافظ أو رئيس هيئة وجامعة.
وأشارت إلى أن منظومة التحصيل الإلكترونى للمستحقات الحكومية نجحت، منذ انطلاقها، فى أول مايو الماضى، فى تيسير حصول المواطنين على الخدمات الحكومية بقيمتها الفعلية، من خلال كروت المرتبات أو كروت الحسابات البنكية أو الكروت مسبقة الدفع أو كروت الائتمان أو عن طريق الإنترنت «أون لاين».