الفائدة السلبية تؤذي البنوك ومن ورائها الاقتصاد بالكامل
على من تلقي اللوم للتسبب في الأزمة المالية الكبيرة الأخيرة؟ من دون تفكير عميق، أراهن أن الكلمة التي تظهر أولا هي "البنوك". إذا لم تكن كذلك، فستكون شيئا يتعلق بأي شخص كان قد ابتكر القروض العقارية لضعاف الملاءة أو بدأ "بتشريح وتقطيع" المخاطر.

على من تلقي اللوم للتسبب في الأزمة المالية الكبيرة الأخيرة؟ من دون تفكير عميق، أراهن أن الكلمة التي تظهر أولا هي "البنوك". إذا لم تكن كذلك، فستكون شيئا يتعلق بأي شخص كان قد ابتكر القروض العقارية لضعاف الملاءة أو بدأ "بتشريح وتقطيع" المخاطر.
ما لم تكن مختصا في مجال التمويل، لن يكون السبب هو إخفاقات محافظي البنوك المركزية على صعيد القوانين التنظيمية أو تحديد أسعار الفائدة. في العقد الماضي تم تصويرهم في الغالب على أنهم منقذو الاقتصاد العالمي. فبسبب الفشل السياسي واسع النطاق في توفير تحفيز من المالية العامة، ذهب محافظو البنوك المركزية إلى أقصى حد وحاولوا فعل كل شيء بأنفسهم، فأمطروا الاقتصاد العالمي بالأموال السهلة وأنقذوا العالم، وفي حالة ماريو دارجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، اليورو.
ربما يكون استخدامهم لبرامج التسهيل الكمي قد دمج السياستين المالية والنقدية معا. (من خلال رفع أسعار الأصول بشكل مصطنع، فإن التسهيل الكمي له آثار في توزيع الثروة). ربما بدا الأمر سياسيا أكثر بعض الشيء: اليورو مشروع سياسي، لذلك فعل "كل ما يلزم" لإنقاذه وهو أيضا أمر سياسي. وقد تكون له أيضا بعض الآثار الجانبية السلبية، غير أن القصة تقول إن السياسة النقدية على الأقل أدت مهمتها في منع الانهيار العالمي.
لكن الآن أصبحت المشكلات التي أوجدها ذلك واضحة، كما أشار دراجي في مقابلة هذا الأسبوع ("الاقتصادية" 8 تشرين الأول (أكتوبر)). قال: "الآثار الجانبية السلبية تصبح أوضح أكثر وأكثر أثناء التقدم". في الواقع هي كذلك. لنأخذ أسعار الفائدة السلبية، وهي شيء لم تكن له سابقة تقريبا عندما استخدمتها السويد وسويسرا، ومن ثم البنك المركزي الأوروبي بعد أزمة عام 2008. كان البنك الوطني السويسري قد فرض أسعار فائدة سلبية فعلية على الودائع غير المُقيمة في السبعينيات لكن ذلك كان كل ما في الأمر.
أسعار الفائدة السلبية تؤذي المصارف وبالتالي اقتصاد البلاد بالكامل. تأثيرها واضح في أسعار أسهم المصارف الأوروبية. انخفض مؤشر يورو ستوكس للمصارف إلى نقطة من أدنى مستوياته منذ عام 2012 التي سجلها خلال أزمة منطقة اليورو. من خلال فرض رسوم على الودائع، أسعار الفائدة السلبية تحول الأصول إلى نوع من المطلوبات. هذا واضح بالفعل لبعض العملاء الأثرياء في المصارف الأوروبية، فضلا عن أي شخص لديه حساب تجاري. هناك شيء فظيع بشأن رؤية الفائدة فعليا كتكلفة تم تحديدها مقابل أموالك.
أسعار الفائدة السلبية تؤدي أيضا إلى تدمير استقرار صناديق التقاعد والتأمين. في مؤتمر في لندن الأسبوع الماضي قدم بيتر سبيلر، من شركة CG لإدارة الأصول، مثالا صغيرا سيئا على الضرر الذي يمكن أن تحدثه. طلب أن تتخيل أنك تريد جنيها واحدا معدلا حسب التضخم لتقاعدك في عام 2068 (بعد 49 عاما). يمكنك التطلع لتحقيق هذا ربما من خلال الاستثمار في سندات يحل أجلها في ذلك الحين. في الوقت الحالي، تحتاج إلى وضع 2.60 جنيه مقابل كل جنيه تحصل عليه. لماذا؟ لأن هذا هو التأثير المركب للاستثمار لمدة 49 عاما على عائد بائس بنسبة سالب 2.05 في المائة الذي تقدمه تلك السندات للمستثمرين اليوم.
قد لا يكون التأثير واضحا بقدر أسعار الفائدة الاسمية السلبية على الودائع، لكن عندما تكون أسعار الفائدة سلبية من حيث القيمة الحقيقية أو الاسمية، لا تعد النقود مفيدة لأي شخص يدخر للتقاعد. كلما انخفضت أسعار الفائدة، يشعر المستثمرون أن عليهم الادخار أكثر.
هناك مشكلات أقل وضوحا بشكل مباشر تنبع من السياسة النقدية المتساهلة للغاية. المشكلة الرئيسية هي التراكم الهائل في السندات العامة والخاصة في أنحاء العالم المتقدم كافة (الأعلى على الإطلاق في وقت السلم) والجودة المنخفضة لكثير من تلك السندات.
إذا كنا نشهد نهاية لبرامج التسهيل الكمي وأسعار الفائدة السلبية، فيمكن رفض كل هذه المشكلات الواضحة باعتبارها مؤقتة، وربما تستحق الألم. لكننا لا نفعل.
دراجي يغادر البنك المركزي الأوروبي باعتباره بطلا، لكنه يغادره أيضا مع أسعار فائدة بنسبة سالب 0.5 في المائة وجولة جديدة من شراء السندات بموجب برنامج التسهيل الكمي قيد التنفيذ. هو ليس وحده: في آب (أغسطس)، ربع البنوك المركزية لمجموعة العشرين خفضت أسعار الفائدة الرسمية الخاصة بها. والحديث بين محافظي البنوك المركزية لا يدور حول كيفية إنهائها، لكن بدلا من ذلك حول كيفية جعلها أكثر تطرفا بكثير لمعالجة الركود المقبل. تساءل جاي باول أخيرا حول ما إذا كان ينبغي للاحتياطي الفيدرالي أن يوسع مجموعة أدواته.
يمكن أن تنخفض أسعار الفائدة أكثر. خارج اليابان ومنطقة اليورو لا يزال معظمها في منطقة إيجابية. ويمكن للبنوك المركزية أن تتجه مباشرة إلى دمج السياستين النقدية والمالية مع إصدارات مختلفة من توزيع الأموال. قد ينجح ذلك.
لكن هذه المرة قد تسبب المشكلات. معظم الأشخاص لم يلاحظوا دور البنوك المركزية في الأزمة المالية الأخيرة. وما الذي يدفعهم إلى ذلك؟ السياسة النقدية على الطراز القديم كانت مهمة، لكنها أيضا كانت معقدة ومملة - وبالتالي غير واضحة إلى حد ما.
غير أن أسعار الفائدة السلبية أمر مختلف تماما. بإمكانك شرح المشكلات التي تتسبب فيها بطرق معقدة، إلا أنه ليست هناك حاجة إلى ذلك. يشعر معظم الناس بشكل غريزي أن أسعار الفائدة السلبية غير طبيعية إلى حد ما. إذا تسببت أسعار الفائدة السلبية في الأزمة التالية من خلال تشويه تخصيص رأس المال وتشجيع مستويات الديون التي لا يمكن السيطرة عليها، فسيكتشف محافظو البنوك المركزية أن الخطر الحقيقي يقع عليهم شخصيا. الفكرة المتمثلة في أنهم رجال طيبون مستقلون سياسيا ستنهار بالكامل.
بدلا من ذلك، سيراهم الناس العاديون أشخاصا مبدعين خطيرين أطلقوا تجربة ليس لديهم طريقة لعكسها أو التحكم فيها. تماما مثل المصرفيين في أوائل العقد الأول من الألفية.

موسومة تحت
قراءة 555 مرات

الموضوعات ذات الصلة

سجل الدخول لتتمكن من التعليق

 

في المحاسبين العرب، نتجاوز الأرقام لتقديم آخر الأخبار والتحليلات والمواد العلمية وفرص العمل للمحاسبين في الوطن العربي، وتعزيز مجتمع مستنير ومشارك في قطاع المحاسبة والمراجعة والضرائب.

النشرة البريدية

إشترك في قوائمنا البريدية ليصلك كل جديد و لتكون على إطلاع بكل جديد في عالم المحاسبة

X

محظور

جميع النصوص و الصور محمية بحقوق الملكية الفكرية و لا نسمح بالنسخ الغير مرخص

We use cookies to improve our website. By continuing to use this website, you are giving consent to cookies being used. More details…