شهدت حقبة الثمانینات العدید من التغیرات فی البیئة الداخلیة والخارجیة وکان من أبرز هذه التغیرات التطور الحادث فی أسالیب تکنولوجیا تشغیل ومعالجة المعلومات وإنتاج تقاریر المعلومات بما یتواکب مع زیادة کثافة الطلب على المعلومات لأغراض اتخاذ القرارات بواسطة الادارات المختلفة للشرکة، كذلك خفض الحواجز أمام دخول الشرکات الى الاسواق المختلفة، وزیادة المنافسة العالمیة، نمو الطلب الخاص بالعملاء على نحو متزاید وانخفاض فی دورة حیاة المنتج (Hiromoto, 1991; Shields, 1997; Baines and Langfield-Smith, 2003).
واستجابة من الشرکات لهذه التغییرات فقد تم القاء المزید من الضوء على الاحتیاجات الخاصة بالعملاء وزیادة القیمة المقدمة لهم وعمل بعض التغییرات فی استراتیجیات ادارة الاعمال والتوجه نحو الاستفادة من الابتکارات التنظیمیة بالشکل الذی یضع الأساس لتبنی منهج وأسلوب جدید یقوم على التحسین المستمر والتوجه الکامل للتعامل مع احتیاجات العملاء وهو ما أدى بنا للوصول الى ما یعرف بإستراتیجیة الترشید (Shields, 1997; Baines and Langfield-Smith, 2003; Kennedy and Widener, 2008; Fullerton and Kennedy, 2009)،
وترجع البدایة الخاصة بظهور مصطلح الترشید الى الجهود الخاصة (Krafcik) عضو فریق البحث فی (Massachusetts Institute of Technology's) والذی کان یعمل فی البرنامج الدولی لتکنولوجیا المرکبات الآلیة فی أواخر العام 1980، وأن کان التطبیق الفعلی المتعلق بتبنی تطبیق إستراتیجیة الترشید یرجع بشکل عام الى الجهود الخاصة بشرکة تویوتا (Kennedy and Widener, 2008, p.303; Fullerton and Kennedy, 2009,p.55).
ومن الممکن النظر الى إستراتیجیة الترشید على أنه الامتداد الفکری الخاص لکلاً من الانتاج اللحظی أو نظام الانتاج فی شرکة تویوتا ((TPS (Womack et al., 1990,p.16) والذی تم الإشارة له باللغة الانجلیزیة للمرة الأولى بواسطة (Sugimori et al., 1997,p.557) وتتمیز هذه النظم بترکیزها فی محاربة أی شیء لا یضیف قیمة إلى المنتج عن طریق ممارسة أنشطة التحسین المستمر والبحث عن زیادة القیمة المقدمة الى العملاء.
یعبر الترشید عن إستراتیجیة عمل متکاملة تجمع بین مجموعة واسعة من الممارسات الإداریة مثل الانتاج فی الوقت المحدد، وتطبیق الاسالیب التکنولوجیة فی التصنیع بلمسات بشریة تفید فی تحدید وتتبع الاخطاء والفقد فی استخدام الموارد المختلفة ومحاولة التخلص منها أو ابقائها عند الحد الأدنى وتبنی سیاسة التحسین المستمر وإدارة الجودة الشاملة، وتستخدم هذه الممارسات بهدف اضافة المزید من القیمة للعملاء من خلال الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة وتخفیض الفقد (Womack and Jones, 2003; Shah and Ward, 2003; Grasso, 2005; Maskell and Kennedy, 2007; Solomon and Fullerton, 2007; Kennedy and Widener,2008; Fullerton and Kennedy, 2009).
وبهذا من الممکن القول إن استراتیجیة الترشید تعمل على الدمج بین هذه السیاسات والممارسات الاداریة والمالیة والتشغیلیة المبتکرة من أجل إضافة القیمة من خلال مسار القیمة الخاص بمجموعة مترابطة من المنتجات بطریقة متسلسلة وثابتة حتى الوصول الى العملاء، أما فیما یتعلق بالفقد فی الموارد فینظر الیه فی ظل هذه الإستراتیجیة على أنه یعبر عن إنفاق من الموارد بالشکل الذی لا یؤدی إلى إضافة القیمة للعملاء وبالتالی یکون الهدف الأساسی لهذه الإستراتیجیة هو القضاء على کافة اوجه الفقد والضیاع.
وعلى الرغم من الافتراض السائد أن تبنی تطبیق إستراتیجیة الترشید سوف یؤدی إلى زیادات فی المبیعات والأرباح التی تحققها المنظمة، فإن الأدلة العملیة والتجریبیة الناتجة من الدراسات والبحوث المحاسبیة لم تقدم دلیلاً ونتائج حاسمة على حدوث ذلك فی واقع التشغیل الفعلی ویرجع ذلك لقلة الدراسات التطبیقیة وعدم الافصاح الکامل للشرکات المطبقة للترشید عن نتائج التطبیق(Fullerton and Mcwatters 2002; Womack and Jones 2003; Taylor and Wright 2003; Callon, 2005; Becker, 2007; Maskell and Kennedy 2007; Kennedy and Widener 2008; Kennedy and Fullerton 2009) ،.
وقد اقترحت مجموعة من الدراسات والأبحاث فی هذا الصدد أن التباین الحادث فی تفسیر وبیان النتائج العملیة المصاحبة لتطبیق إستراتیجیة الترشید وعدم وجود نتائج حاسمة وبارزة لتطبیق هذا المنهج وهو ما یرتبط وبصورة مباشرة بالحاجة الى اجراء مجموعة من التعدیلات فی نظم قیاس ورقابة التکالیف ومجموعة الطرق التی یتم بها التعبیر عن التحسینات بشکل مالی وکمی (Green, Amenkhienan and Johnson, 1992; Brickley, Smith, and Zimmerman, 2001;Fullerton and McWatters 2002; Baines and Langfield-Smith 2003; Callen 2005; Kennedy and Widener 2008;Fullerton and Kennedy, 2009).
ووفقاً لهذه الدراسات فأن نظم التکالیف المفترض تواجدها مع تغیر اتجاه الشرکات وتبنیها لإستراتیجیة الترشید لابد وأن تساعد الادارة والمسئولین على توفیر المعلومات اللازمة لمعرفة مدى تأثیر الخطوات التی یقومون بها من تحسین مستمر لکافة العملیات التی تؤدى داخل مسار القیمة على القضاء على أوجه الاسراف فی استخدام الموارد بالشکل الذی یساند جهود القائمین على إدارة مسار القیمة فی إنجاح الإستراتیجیة الخاصة بالعمل عن طریق توفیر خدمات أفضل للعملاء مع استغلال أفضل للموارد.
ونتیجة لأن العدید من الباحثین توصلوا فی دراساتهم أن النظم الحالیة للتکالیف بشکلها وطریقة قیاسها وتقسیماتها لعناصر التکالیف وأسالیب التخصیص والتوزیع المستخدمة فیها لا تدعم الشرکات التی تقبل على تبنی تطبیق إستراتیجیة الترشید فی بیئة الاعمال (Fullerton and McWatters 2002; 2004; Womack and Jones 2003; Maskell and Baggaley, 2006; Maskell and Kennedy, 2007; Fullerton and Kennedy 2009) ، وذلك لأنها ترتکز على مجموعة من الأسس والمبادئ تجعلها تخدم فلسفة أخرى تتناقض مع فلسفة إستراتیجیة الترشید ومنها تشجیع الشرکات على الانتاج والاحتفاظ بالمخزون وبناء نظام معقد للرقابة على هذا المخزون (Kennedy and Fullerton, 2009.p.301).
وقد حظى موضوع النظم المحاسبیة والتکالیفیة التی تساند وتلائم عملیة تطبیق إستراتیجیة الترشید لمزید من الاهتمام من الباحثین وأن کانت الدراسات والأبحاث التطبیقیة فی هذا المجال تتسم بندرتها، ویبدو أن التردد فی تغییر النظم المحاسبیة والتکالیفیة التقلیدیة الراسخة والتی تتسم بانتشارها فی الواقع العملی قد تم التأکید علیه وتغذیته بسبب عدم وجود أدلة تجریبیة من جانب الدراسات عن القیمة التی تنتج من التغییر(Fullerton and Kennedy 2009,p.302)، وبالتالی فأن هذه الدراسة تأتی فی هذا الصدد وفی أطار الجهود البحثیة للمساهمة فی سد النقص الحالی فی الدراسات التکالیفیة وكذلك خلق المزید من الدوافع للباحثین الاخرین لعمل مناقشة وتحلیل علمی وتجریبی لهذا الموضوع.
ومن اجل التعامل مع هذه المشکلة وسد النقص فی مجال الادوات المالیة والتکالیفیة الواجب اتباعها وتفعیلها مع التحول لإستراتیجیة الترشید فقد قام العدید من الباحثین والكتاب ربما کان أبرزهم (Maskell and Baggaley,2004,p.62) بتقدیم مجموعة من المقترحات والأسالیب البدیلة للاستخدام ومنها ما یعرف بأسلوب قیاس التکالیف الخاص بتدفقات القیمة (VSC) وهو ما سیکون محور الاهتمام والترکیز فی هذه البحث.
وستکون نقطة الارتکاز الأساسیة فی هذا البحث هی دراسة الخصائص الممیزة لأسلوب قیاس التکالیف المرتبطة بتدفقات القیمة وما الذی یجعله الأسلوب الاکثر ملائمة للشرکات التی تبنت التحول الى تطبیق استراتیجیة الترشید، وماهیة الإطار الفکری الذی یتم الاستناد علیه من اجل القیام بتطویر عملیة قیاس التکالیف بالشکل الی یتماشى مع احتیاجات الادارة المتجددة من المعلومات فی ظل هذا الاتجاه الجدید المصاحب لتطبیق طریقة التفکیر على أساس الترشید.
الدكتور
محمد أحمد شاهين
أستاذ مساعد بقسم المحاسبة والمراجعة
كلية التجارة - جامعة عين شمس